للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالسيف فقطعها ثم لاذ بشجرة فقال: أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال: "لا تقتله, فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله, وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال" ١، ففي الحديث لم ينهه عن فرض مسألة لم تقع بل أجابه، وبيَّن له الحكم فدلَّ على الجواز.

ويدل له أيضًا حديث عويمر العجلاني في صحيح مسلم: أنه سأل عن اللعان فنزل الوحي بجوابه, ثم ابتلي به, ولم ينكر عليه السؤال عمَّا لم يقع، لكن في الحديث نفسه أنه كره المسائل, غير أنه نزل الجواب قبل الوقوع بلا شك, كما هو صريح مسلم في الصحيح٢، وأجابو عن آية: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} بأن هناك شرطًا وهو: {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} ٣ فمفهومه: إن لم تكن مساءة في إبدائها فلا نهي: قاله ابن العربي في الأحكام.

ومثال ما فيه المساءة قضية عبد الله بن حذافة, سأل النبي -صلى الله عليه وسلم: من أبي؟ فقال: "أبوك حذافة" , قالت له أمه: لو كانت الجاهلية تقترف أكنت تفضحني؟ رواه مسلم في الصحيح٤، فعن مثل هذا وقع النهي في الآية.

وقال البغوي٥ في شرح السنة المسائل على وجهين؛ أحدهما: ما كان على وجه التعليم لما يحتاج إليه من أمور الدين, فهو جائز بل مأمور به لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} ٦، وعلى ذلك تتنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال والكلالة وغيرهما، ثانيهما: ما كان على وجه التعنُّت والتكلُّف وهو المراد بحديث: "دعوني ما تركتكم, فإنما أهلك مَنْ قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم" ٧، قال الحافظ العسقلاني٨: ويؤيده ورود الزجر في الحديث عن


١ متفق عليه: البخاري في المغازي، غزوة بدر "٥/ ١٠٩"، ومسلم في الإيمان "١/ ٦٦".
٢ متفق عليه: البخاري "٧/ ٦٩"، ومسلم "٤/ ٢٠٥".
٣ المائدة: ١٠١.
٤ مسلم في الفضائل "٧/ ٩٣".
٥ هو عبد الله بن محمد أبو القاسم.
٦ النحل: ٤٣, والأنبياء: ٧.
٧ أخرجه الستة إلّا أبا داود, تقدَّم تخريجه.
٨ أحمد بن علي بن حجر صاحب الفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>