للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من اجتهاد مَنْ بعدهم؛ لقربهم ومشاهدتهم وزيادة معرفتهم باللغة ومواقع الأوامر والنواهي، فلأن نقلدهم خير من أن يجتهد غيرهم بعدهم فنقلده, فالنفس تطمئن إليهم أكثر من غيرهم، وفي ذلك من تقليل الخلاف والآراء ما يخفى على أن الظاهر أن مالكًا بما ظهر له صحة اجتهادهم فيه لا مطقلًا، حتى يكون من التقليد المنهي عنه، فكأنه اعتبر أن قول الصحابي مرجَّح إذا تعارضت الأدلة والله أعلم.

وفي إعلام الموقعين أن الصحابي إذا لم يخالف صحابيًّا آخر, فإما أن تشتهر قوله في الصحابة أو لا يشتهر، فإن اشتهر فالذي عليه جماهير الطوائف من الفقهاء أنه إجماع وحجة.

وقالت طائفة منهم: هو حجة وليس بإجماع، وقالت شرذمة من المتكلمين وبعض الفقهاء المتأخرين لا يكون إجماعًا وإن لم يشتهر قوله, أو لم يعلم هل اشتهر أم لا، فاختلف الناس هل يكون حجة أم لا، فالذي عليه جمهور الأمة أنه حجة، هذا قول جمهور الحنفية صرَّح به محمد بن الحسن, وذكر عن أبي حنيفة وهو مذهب مالك وأصحابه, وتصرفه في موطئه دليل عليه, وهو قول إسحاق بن راهويه١ وأبي عبيد٢, وهو منصوص الإمام أحمد في غير موضوع عنه, واختيار جمهور أصحابه, وهو منصوص الشافعي في القديم والجديد, أما القديم فأصحابه مقرون به, وأما الجديد فكثير منهم يحكي عنه فيه أنه ليس بحجة, وفي هذه الحكاية عنه نظر ظاهر جدًّا, فإنه لا يحفظ له في الجديد حرف واحد أن قول الصحابي ليس بحجة, وغاية تعلقهم أنه حكى أقوالًا لهم ثم خالفهم في الجديد, وهو ضعيف جدًّا؛ فمخالفته لما هو أقوى في نظره لا يدل على أنه لا يراه دليلًا من حيث الجملة, بل صرَّح في الجديد من رواية الربيع عنه بأنه حجة يجب المصير إليه, ثم نقل عن مدخل البيهقي نص الشافعي بذلك أيضًا, ويأتي في قواعد مذهب الشافعي.

ثم قال: وذهب بعض المتأخرين من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة إلى أنه ليس بحجة, وذهب الفقهاء إلى أنه حجة إن خالف القياس, ولو


١ ابن إبراهيم بن مخلد راهويه.
٢ القاسم بن سلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>