للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل قال عبيد الله الكرخي١ ومن الحنفية: إن كل آية أو حديث يخالف ما عليه الأصحاب مؤولة أو منسوخة فكأنه جعل نصوص مذهبه هي الجنس العالي، والأصل الأصيل، حاكمة على نصوص السنة والتنزيل معيارا يعرض عليه كلام رب العالمين والرسول الأمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ودونك جزئية تريك ما وراءها يقول الحنفية: إن الفاتحة ليست فرضا في الصلاة؛ لعدم وجود قاطع يدل على ذلك٢، ولكن لما ثبت في السنة "لا صلاة لمن لم يقرأ الفاتحة" ٣ فهي واجبة يأثم بتركها، ولا تبطل الصلاة.

قال في "فتح الباري": ولا ينقضي عجبي ممن يتعمد ترك قراءة الفاتحة منهم، وترك الطمأنينة، فليصلي صلاة يريد أن يتقرب إلى الله بها، ولو يتعمد ارتكاب الإثم فيها مبالغة في تحقيق مخالفته لمذهب غيره أهم.

ومن أقوال متعصبيهم: إن المهدي المنتظر إذا ظهر بل عيسى بن مريم إذا نزل آخر الزمن، فإنهما يقلدان أبا حنيفة، ولا يخالفانه في شيء. فسدوا بهذه الأفكار التي تحكمت من نفوس العلماء والأمراء باب النظر في الكتاب والسنة، ومراجعة أقوال المذاهب عسى أن يكون فيها خطأ إلى هنا انتهى بهم الانحطاط في الرضى بخطة التقليد.

وهذا التقليد بعدما كان قليلا في المائة الثالثة، صار غالبا في الرابعة، بل أصبح جل علمائها مقلدين متعصبين مع أن الكل يعلم أن لكل إمام هفوة


١ انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق، وهو من المجتهدين في المسائل من مؤلفاته "المختصر" و"شرح الجامع الصغير" و"شرح الجامع الكبير" وكلمته هذه إن صحت عنه تعد زلة من عالم لا يعول عليها ولا يقتدى بها. توفي سنة ٣٤٠هـ. انظر "طبقات الحنفية" "ص١٠٨، ١٠٩" للكنوي، و"لسان الميزان" "٤/ ٩٨، ٩٩".
٢ وجهة نظر الحنفية أن الله تعالى أمر بقراءة مطلق القرآن في الصلاة {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} والسنة أمرت بقراءة الفاتحة، فعملوا بدليلي القرآن والسنة، فقالوا بوجوب قراءتهما في الصلاة، وعدوا من يترك قراءة أحدهما عمدا آتيا بمكروه تحريما يوجب إعادة الصلاة ما دام في الوقت.
٣ رواه البخاري ٢/ ١٩٩، ٢٠٠، ومسلم رقم "٣٩٤" وأبو داود "٨٢٢"، والترمذي "٢٤٧" والنسائي ٢/ ١٣٧، ١٣٨، وابن ماجه "٨٣٧"، والشافعي ١/ ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>