للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفقه الإسلامي وأنه بوحي سماوي ودين متين.

ثم نقول والحق أحق ما يقال: لم يوجد شرع مزج بين المصالح الدينية والدنيوية, وصيَّر هذه عين هذه, وبيَّن قانون الاجتماع البشري والعدالة التامَّة بوجه يعم جميع المصالح الاجتماعية كالشرع الإسلامي, ولذلك كان الخليفة الأعظم عندنا رئيسًا دينيًّا ودنيويًّا معًا، فهو جامع وظيفتين عظيمتين, ولذا عرفوا الإمامة العظمى بأنها: رياسة عامة في الدين والدنيا تجب للمتصف بها أن يطاع فيما يستطاع.

أما القوانين الوضعية فلا تعلق لها بأمر العبادة والآداب النفسية, وإنما هي ضبط لمعاملة الأفراد والأمم بتبادل المصالح، وأيضًا الفقه الإسلامي هو بأمر إلهي, فالعمل به طاعة الرب, والعامل به له أمل الثواب في الآخرة, وعدم العمل به معصية متوعد عليه بالعقاب الأخروي, زيادة عمَّا تقرر فيه من العقوبات الدنيوية، فهو أمس بالنظام من بقية الشرائع والقوانين التي هي من وضع البشر.

فالفقه الإسلامي من مفاخر الأمة الإسلامية, كيف لا وهو مؤسَّسٌ على روح العدل والمساواة واحترام الحقوق الخاصة والعامة والنظام الأتم, وتقرير الملك١ لذويه, واحترام النواميس الطبيعية، وقد اعتبر درء المفاسد فقدَّمَه على جلب المصالح، وسد الذرائع، والمصالح المرسلة، ولا ضرر ولا ضرار، وتقديم الأهم على المهم، وبنيت أحكامه على الاعتدال لا إفراط وتفريط، واعتبر الأعراف والعوائد، فأحكامه يتغير الكثير منها بتغير الأحوال, كما قال عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.

وكما قال زياد بن أبيه لأهل البصرة في خطبته الشهيرة: قد أحدثتم أحداثًا لم تكن, وقد أحدثت لكل ذنب عقوبه. فهو صالح لكل أمة وكل مكان وكل زمان, ولهذا كان لا ينسخ, وكانت رسالة نبينا -صلى الله عليه وسلم- عامة لجميع الأمم إلى يوم القيامة.


١ قال المؤلف -رحمه الله: المِلك بكسر الميم.

<<  <  ج: ص:  >  >>