استطاعوا، ومن عرض له شيء من ذلك، أعرض عنه ورآه من العوائق وفر منه، فلا ينطقون بما يدركون، ومنعوا من يكشف له الحجاب من أصحابهم عن الخوض والوقوف عنده، بل يلتزمون طريقتهم كما كانوا في عالم الحس قبل الكشف. ا. هـ. بخ.
لكن خلف من بعدهم خلف صار القصد عندهم هو هذه الأمور الثانوية التكلميلية، وقصروا في المقصد، فصار كشفهم ظلمانيا ووجدانهم شيطانيا مع كثرة الطرق وتشعبها حتى إنك إذا بحثت في أي مدينة أو قرية في غالب الممالك الإسلامية، تجد زواياها أكثر من مساجدها ومن المدارس.
ولا تكاد تجد عائلة إلا وهي آخذة طريقة من الطرق تتعصب لها برجالها ونسائها وصبيانها على أنه ربما تجد في العائلة طالبا واحدا للعالم ولا تجد فيها من يحسن الكتابة حتى التجأت الدولة الإسلامية أن تعتبر رؤساء الطرق بمنزلة الموظفين، وتسميهم كما تسمي موظفيها لتختار من لا يكون ضدها وفي بعض الأقاليم تجعل رئيسا عاما على جميع المشايخ تسمية شيخ المشايخ.
وأول من أحدث هذه الوظيفة السلطان صلاح الدين الأيوبي بمصر، وكان لا يولي عليها إلا أعاظم الرجال كابن حمويه مع ما كان له من الوزارة والإمارة وقيادة الجيش وتدبير الدولة، وذي الوزارتين ابن بنت الأعز.
وما زال الحال على ذلك إلى أن توحدت رئاسة الصوفية بمصر في القرن التاسع الهجري، فجعلت لشمس الدين البكري الذي وصفه الشعراء بأنه أعلم أهل زمانه، ولا تزال في البيت البكري إلى الآن.
وهذه وظيفة لم تكن في المغرب قط، نعم كان عندنا في المغرب شيوخ عظماء في عملهم وتدينهم معروف فضلهم إلا أن الذين أدركنا غالبهم لا يحسنون الأشقاشق وألفاظا نوعوها، وليس عندهم من الذوق إلا ذوق شيطاني ظلماني أعماهم الجهل، ونصبوا الشباك بالدين ليأكلوا أموال المغفلين، فصدق عليهم قوله تعالى: {إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ