وأحمد بن حنبل بعده ببغداد، وكان لأبي ثور هناك أتباع أيضا.
ثم نشأ ببغداد أبو جعفر الطبري، وداود الأصبهاني، فألفا الكتب، واختاروا في المذاهب على رأي أهل الحديث، واطرح دواد منها القياس، وروى عن كل واحد منهم أتباع وسرت جميع هذه المذاهب.
فغلب مالك على أهل الحجاز والبصرة ومصر وما والاها من بلاد إفريقية والأندلس وصقلية والمغرب الأقصى إلى بلاد من أسلم من السودان إلى وقتنا هذا، وظهر ببغداد ظهورا كثيرا، وضعف بالبصرة بعد خمسمائة سنة، وغلب في خراسان على قزوين وأبهر وظهر بنيسابور أولا، وكان بها وبغيرها له أئمة ومدرسون، وكان ببلاد فارس، وانتشر باليمن وكثير من بلاد الشام.
وغلب مذهب أبي حنيفة على الكوفة والعراق، وما وراء النهر وكثير من بلاد خراسان إلى وقتنا هذا، وظهر بإفريقية ظهورا كثيرا إلى قريب من أربعمائة سنة، فانقطع منها، ودخل منه شيء قديما بجزيرة الأندلس، وبمدينة فاس، وغلب مذهب الأوزاعي على الشام، وعلى جزيرة الأندلس إلى أن غلب عليها مذهب مالك بعد المائتين فانقطع.
وأما مذهب الحسن والثوري، فلم يكثر أتباعهما، ولم يطل تقليدهما وانقطع مذهبهما عن قريب.
وأما الشافعي رحمه الله، فكثر أتباعه وظهر مذهبه ظهور مذهب المالكية، ثم بالعراق وبغداد وغلب عليهما وعلى كثير من بلاد خراسان والشام واليمن إلى وقتنا هذا، ودخل وراء النهر وبلاد فارس، ودخل شيء منه إفريقية والأندلس بأخرة بعد ثلاثمائة سنة.
وأما مذهب أحمد بن حنبل، فظهر ببغداد، ثم انتشر بكثير من بلاد الشام وغيرها، وضعف الآن.
وأما أصحاب الطبري وأبي ثور، فلم يكثروا ولا طالت مدتهم وانقطع