قال ابن حزم: له خمسة وخمسون مصنفا في الرد عليهم وعلى الملاحدة والجهمية والرافضة والخوارج وسائر المبتدعين. قال أبو بكر الصيرفي: كانت المعتزلة رافعي رءوسهم حتى أظهر الله الأشعري، فحجزهم في أقماع السمسم. يعني حيث قاتلهم بنفس سلاحهم، فاضمحلت بسببه شبهتهم، ولهذا اعترف له من بعده من السنيين بالفضل حتى إنهم انتسبوا إليه مع أن مذهب السنة كان ظاهرا، وكانوا قبله يسمون المثبتة.
صنف ابن عساكر مجلدا في مناقبه، وأثنى الأئمة عليه كثيرا كابن أبي زيد القيرواني، والقابسي، ولا يلتفت لكلام المعتزلة فيه من الحنفية، ولا لكلام الحنابلة الذين ليسوا على مذهبه كالإمام الذهبي، وقد رد عليه تلميذه السبكي كثيرا، وكابن حزم في بعض كتبه وإن أثنى عليه في كتابه "الفصل" كما أثنى عليه الذهبي في كتاب "العلو" كثيرا. حاصله طعن فيه من لا يرى رأيه وذلك معلوم.
ومن غريب ما في "الطبقات السبكية" أنه تردد أولا فيمن يعده من المجددين في المائة الثالثة هل الإمام الأشعري أو ابن سريج الشامي، ثم أداه التعصب المذهبي إلى أن قال: إن الأشعري وإن كان أيضا شافعي المذهب إلا أنه رجل متكلم، كان قيامه للذب عن أصول العقائد دون فروعها، وكان ابن سريج فقيها يذهب عن الفروع، فكان أولى بهذه المرتبة.
فتأمل قوله وإن كان شافعيا. كأن الدين الذي يجدد هو مذهب الشافعي، وما سواه لا عبرة به. وتأمل ما أدى إليه التعصب من تقديم الفروع على الأصول عكس المعقول والمنقول. وكم لهذا من نظير عنده على أننا لا نسلم عدم معرفته بالفروع، ففي "المنح البادية" عن عبد الله بن محمد بن طاهر الصوفي قال: رأيت أبا الحسن الأشعري وقد أبهت المعتزلة في المناظرة، فقال له بعض الحاضرين: قد عرفنا تبحرك في الكلام، فإنا نسألك عن مسألة ظاهرة في الفقه ما تقول في الصلاة بغير فاتحة الكتاب؟ فقال: ثنا زكريا بن يحيى السراج، ثنا عبد الجبار، ثنا سفيان، ثني الزهري، عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت مرفوعا "لا