في تأليف له في بيوتات فاس ونصه:"إن مهدي الدولة الموحدية وأتباعه من ملوكها كانوا ينكرون الرأي، وانتحلوا مذهب الظاهرية، وهو العمل بظاهر القرآن والسنة، وحملوا الناس على ترك الفروع الفقهية، وحرقوا كتب الفروع كلها، ولم تزل كتب الفروع منبوذة عنده، وعند عبد المؤمن بن علي وأولاده، بل حرقوها ووضعوا في السنن أوضاعا، وأوقعوا المحن بذوي الفروع، وقتلوهم وضربوهم بالسياط، وألزموهم الأيمان المغلظة من عتق وطلاق على أن لا يتمسكوا بشيء من كتب الفقه، ولما جاءت الدولة المرينية، نقضت ذلك كله، وجددت كل الفروع، فأملى الفقيه أبو الحسن علي بن عشرين "المدونة" من حفظه، ووجدوا نسخة قوبلت عليها النسخة التي أملاها، فلم تختلف إلا بواو أو فاء. ا. هـ.
وفي "نيل الابتهاج" أن عبد الله بن محمد بن عيسى التادلي الفاسي كتب "المدونة" من حفظه بعد أن أمر الموحدون بحرقها. ا. هـ.
وفي قوانين ابن جزي عند ذكره الخلفاء الموحدين: وكان المنصور أبو يوسف يعقوب عالما محدثا ألف كتاب الترغيب في الصلة، وحمل الناس على مذهب الظاهرية، وحرق كتب المالكية. ا. هـ. وهذا كله يؤيد ما ارتأيناه، فتبين أن لسرعة انهدام ما أسسه الموحدون أسبابا:
الأول: جعلهم ذلك إجباريا، وكل ما كان كذلك لا يقبل، ويسرع زواله ولو كان حقا لأنفه النفوس من كل ما تلزم به جبرا.
الثاني: أنهم سموه اجتهادا، وإنما هو إبدال الرأي بمذهب الظاهرية الذي هو جمود لم يستسحنه الجمهور، ومثل هذا وقع لابن حزم عاب على الناس تقليد مالك، وقلد داود الظاهري، وإن كان المفتي على مذهبهم لا بد له من اجتهاد، ورجوع للأصول من كتاب أو سنة، ولذلك استفاد الفقه من عمل الموحدين فائدة عظمى بظهور حفاظ وعلماء كبار تآليفهم تآليف مهمة في الحديث وغيره.