النسخ مجازفة، وليس بصواب، فالنسخ له شروط، منها عدم إمكان الجمع بين مدلولي الآيتين، وتواردهما على محل واحد، وبعبارة تحقق وجود الوحدات الثمان التي يشترطها المناطقة في التناقض، ومنها تحقيق التاريخ إما بنص صريح, أو بأن يجمعوا على العمل بالأحرى، كأكثر الآيات "١٥" السابقة، إلى غير ذلك من الشروط المبسوطة في محلها من الأصول وهي تقارب العشرة.
قال ابن الحصَّار: لا يعمل في النسخ إلّا بنقل صريح عن رسول الله أو عن صحابي يقول: آية كذا نسخت كذا؛ لأنهم عاينوا النزول، ولا يعمل بقول المفسرين من غير دليل، ولا بقول المجتهدين, فإن المجتهد قد يخطئ ويصيب؛ لأن النسخ يتضمَّن رفع حكم تقرر في زمنه -صلى الله عليه وسلم, ويتضمن حرمة العمل به ونفيه عن الشريعة, فلا بُدَّ فيه من نقل بتواتر أو آحاد عدول. والمسألة طويلة الذيل وليس المحل محل بسطها, ولكن لما لخصته هنا قيمة لا يستهان به.
ثم النسخ أقسام: ما نسخ لفظه وبقي حكمه نحو: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله" وهي آية كانت في الأحزاب كما في الصحيح١، ومن نسخ لفظه وحكمه كعشر رضعات معلومات، وما نسخ حكمه وبقي لفظه كالآيات "١٥" السابقة.
والنسخ يكون نسخ قرآن بقرآن، وسنة بسنة، وسنة بقرآن، وقرآن بسنة متواترة لا بخبر واحد كما يأتي.
ولا نسخ بالعقل ولا بالإجماع؛ لأنه لا يكون إلّا بعده -عليه السلام، ولا نسخ بعده، ولكن إجماعهم إن خالف نصًّا فقد تضمَّن ناسخًا وهو مستند الإجماع.
وهناك نوع آخر من النسخ, وهو إزالة الآية أو الآيات من القرآن لفظًا ومعنًى, أو لفظًا فقط, فتُنْسَى ولا تبقى مقروءة، وعلى هذا حمل قوله تعالى: {أَوْ
١ الذي في صحيح البخاري "ج٨/ ٢٠٩", وفي مسلم "ج٥/ ١١٦" حديث عمر بن الخطاب، وذكر فيه آية الرجم ولم يذكر نصها, ولا السورة التي نزلت فيها، أما نص الآية فرواه أُبَيّ بن كعب، وأخرج حديثه ابن حبان في صحيحه, ورواه أبو أمامة بن سهل عن خالته العجماء, وأخرج حديثه أحمد والطبرني في الكبر "نيل الأوطار "ج٧/ ٩١".