للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: قد ذكرتني ترجمة هذا الحافظ الكبير ترجمة الإمام أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي البغدادي التي بسطها عن عيان الرحالة ابن جبير الأندلسي في رحلته فلتنظر ولا بد.

هذا وما وقع للعبدوسي بتونس لا يستغرب لأن أهل القطر التونسي موصوفون بالإنصاف، ولين العريكة، ومحبة علماء المغرب وتعظيمهم وإكرامهم، وكم من عالم من المغرب ذهب إليهم، فأحسنوا القرى، وأخذوا عنه، وأعظموا جانبه، وقد قدمت لتونس سنة ١٣٣٦، فاجتمع جماعة من سادتهم، وطلبوا مني إملاء درس تفسيري على نسق دروسي بفاس حيث كان بعضهم حضر دروسي التفسيرية وأعجب بها، ولولا الأدب معهم، لقلت: الحق أنهم قد استسمنوا ذا ورم، وتعينت إجابتهم لما أعلم من حسن قصدهم على ما في الباع من القصر، ولقد أهديت التمر لهجر، فوافق أنني كنت وصلت في التفسير إلى أول سورة قد أفلح المؤمنون، فأمليت بجامع الزيتونة عند باب الشفا درسا في العشر الآي الأول من السورة المذكورة فسرتها من حيث ثمانية عشر علما، وقد حضر أعلامهم الشيوخ العظام مثل رئيس أهل الشورى بالمجلس الشرعي السيد/ أحمد الشريف، والقاضيين المالكي والحنفي، وأهل الإفتاء على كبر سنهم وصغر سني وقلة بضاعتي، وأظهروا من الإجلال للعلم وأهله ما هم أهل له، ثم طلبوا مني أن أكتب لهم الدرس المذكور، فكتبت ما علق بفكري منه، وطبعوه ووزعوه تمتينا للروابط العلمية بين القطرين على علماء تونس والمغرب، وقرظوه ومدحه الأديب الأريب الفاضل العلامة المتفنن سيدي محمد الناصر الصدام بقصيدة ارتجالية هناك، وحين أكملت الدرس استأذنني في إملائها، فقلت له: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن لحسان أن ينشد شعره في المسجد النبوي، فأنشدها وأظهر كل من حضر ما هم له أهل من كمال التجلة والإعظام والإعجاب مما أعلم أني دونه بمراحل. جزاهم الله خيرا آمين والقوم ذوو أخلاق شريفة عالية ونهضة علمية عربية وآداب سامية أنجح الله نهضتهم، وحقق آمالهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>