للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتسابقون في حفظها وبعد ذلك يقرأ القارئ آية، فلا يتكلم بشيء منها إلا قليلا، ثم يفتتح فيما يناسبها من الأحاديث النبوية وأخبار السلف، وحكايات صوفية، وسير شريفة نبوية وصحابية وأخبار التابعين وتابعيهم، ثم بعدها يرجع للآية، وربما أخذ في نقل الأحاديث فيقول: الحديث الأول كذا، والثاني كذا، والثالث كذا، إلى المائة فأزيد حتى يختمها، ثم كذلك في المائة الثانية، ونشك في المائة الثالثة، ويأتي في نظر ذلك ونقلها بأمر خارق للعادة هكذا فعل في مسجد القصر وغيره، وكان الناس يتسابقون إلى المواضع قبل الصبح رجالا ونساء يتزاحمون عليها، وفي خارج المسجد أكثر مما في داخله وصوته جهير يسمع الكل، ومنع السلطان من يخلط عليه ويحيره من الطلبة.

وإلا فطلبة تونس لا يردهم ذلك عمن لا يشاركهم في علومهم يأتونه من قبلها، وما تصدى لمعارضته إلا شيخنا أبو العباس المعقلي حرض الطلبة تحريضا عاما، ويقول: إنا لله خلت تونس حتى صار هذا يتكلم فيها بما يشتهي، ولكن خافوا من السلطان رحمه الله، وهذه الطريق قالوا إن ابن أخيه عبد الله يفعلها بفاس بالقرويين وعملها بمصر، فتعجبوا من حفظه ونقله المتين من الأحاديث وثباته عليها وترتيبه، وتكلموا فيه في العربية، فقرأ لهم ألفية ابن مالك، فسلك مسلكه في المدونة بدأ بالنقل عن أصحاب سيبويه، ثم نزل إلى السيرافي وشراح الكتاب، وطبقات النحويين حتى مل الحاضرون وأذعنوا.

ويقال: إنه دخل يوما على البرزلي وكان أعمى، فلما تكلم العبدوسي قال له البرزلي: أهلا بواعظ بلدنا، فقال له العبدوسي: قل وفقيهها، فسكت البرزلي، فعد ذلك من إقدام العبدوسي وسرعة جوابه رحمهم الله نقل هذا في "نيل الابتهاج" باختصار قال: ونقل عنه الإمام أبو زيد الثعالبي في شراح ابن الحاجب وابن ناجي في حواشي المدونة.

ومن لطائفه سئل يوما عن الشافعي ومالك فقال: أين قبر مالك، فقالوا: في المدينة، وأين قبر الشافعي، فقالوا: بمصر، فقال: بينهما ما بين قبريهما توفي سنة ٨٣٧ سبع وثلاثين وثمانمائة.

<<  <  ج: ص:  >  >>