نشر العلم، ولشغفه به، لم يلبث بها إلا قليلا، واستعفى فأعفي، فرجع لفاس طاهرا، وللعلم ناشرا، وله فتاوٍ قليلة، وكان من أهله الشورى في الأحكام، فلم تحفظ له في ذلك فلتة، بل الذكر الجميل، والفخر الجزيل.
وقد خرج من الدنيا فقيرا في بيت بالكراء مع تجمل ظاهره، وإظهار النعمة عليه ولعكوفه على ثلاثة دروس يومية فأكثر، قلت نفثات أقلامه، ومع ذلك، فله مؤلفات لا تخلو من فائدة كتأليفه في إيمان المقلد وغيره، وبالجملة تدارك الله به هيكل العلم الذي كان قد انهار بموت العلامة جنون السابق، فكان خير خلف له في اجتهاد في نشره، وبث روح الحياة في أهله، وعند أخذ، وعن بناني كلا السابق وغيرهما. وتوفي بضعف أصابه من كثرة اجتهاد في ليلة ١٢ شعبان وهو يتلو قوله تعالى:{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} برواية البصري سنة ١٣١١ إحدى عشرة وثلاثمائة وألف عن نحو ستين سنة، ولم نر مثل جنازته، ورثاه تلاميذه وأقرانه بقصائد عديدة، وكان المصاب به جليلا، ودفن بالقباب خارج باب الفتح رحمه الله، ولم يعقب ذكرا، ولكن عقبه في العلم لا ينقطع.
٨١١- أبو إسحاق إبراهيم بن محمد التادلي:
شيخ الجماعة في الرباط في وقته، فقيه حيسوبي، فرضي علامة مشارك، وصفه بذلك تلاميذه، نشر العلم بالرباط بعدما كان صفرا، وصيره زهرا بعدما كان قفرا، طلب العلم بفاس، وأخذه عن شيوخ كعبد السلام بوغالب، والفقيه أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحجرتي الفلالي شيخ الجماعة بها وغيرهما، وله تآليف كثيرة كشرحي الألفية، والمختصر، وشرح الرسالة، وشرح المرشد، وغيرها وقد أخبرني مفتي الرباط الفقيه ابن إبراهيم أن الرباط ما كان به من يستحق أن يقال له: عالم قبله، وإنهم كانوا قبل عام ١٣٠٠ إذا مات أحد لم يعرف عدوله قسم تركته، وإنما يقسمها لهم الطبجية حتى نشره فيهم المذكورة. هكذا قال. توفي سنة ١٣١١ إحدى عشر وثلاثمائة وألف، وما ماتت سمعته الطيبة إلى الآن بالرباط.