الحسني الفاسي، الإمام النحرير النقاد، والعلم الذي تتضاءل له الأطواد الفقيه الأصولي المعقولي المشارك في العلوم، وقد تسنم منها الذري التي تقصر عنها الفهوم إذا أظلم ليل عويصه واحتلك، كان فكره شمسا تمحو ذلك الحلك، وهبه الله ذهنا متوقدا، وفكرا متيقظا مهما خطا لا يعرف الخطأ، إلى زهد وعفاف، ورضى بالكفاف، بل طلق الدنيا بالبتات، ووأدها وأد البنات، وقد عين لقضاء السويرة، فاحترم بحرم زرهون تاركا الدنيا لمن رضي بالدون، واعتكف هناك على نشر العلم في بلد كان منه قفرا، فأصبح كروض هتون، إلى أن أعفي، فرجع لفاس متوجا بتاج الزهد الصحيح، والعز الصحيح، وبقي سائر عمره ثابتا في ذلك المقام ما مال قط إلى الحطام، ولا احترف بحرفة أمثاله شهادة ولا فتيا إلى أن جاءه الحمام وقد تجرع من قلة ذات اليد مضاضة ولم تكن عليه فيه غضاضة، وربما سأل ذوي اليسار متعففا شاكرا، ودأب طول عمره للعلم ناشرا، فكان أحد أساطين القرويين العظام الذي عمروها بالروس والتآليف الجسام.
أما الثقة به، فكلمة إجماع فهما ودينا من غير نزاع، لازمته مدة طويلة في دروسه المتنوعة فقها وأصولا، وحديثا وسيرا وتوحيدا وغيرها، وناولني بعض تواليفه الممتعة، وسمعت عليه مرتين إلا قليلا حاشيته على شرح ابن كيران على توحيد المرشد البديعة، وله "رفع العتاب والملام عمن قال إن العمل بالضعيف حرام" وتأليف في إيمان المقلد وآخر في السدل وغير ذلك. وقد ترك الدرس بعض أعوام من آخر عمره إلا قليلا لضعف أصابه في جسمه، وكان جسيما ولد سنة ١٢٥٩ تسع وخمسين ومائتين وألف كما أخبرني به مشافهة.
وتوفي سنة ١٣٣١ إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف.
١ أبو عبد الله محمد فتحا بن قاسم القادري الحسني الفاسي: رياض الجنة "١/ ٥٢، ٥٥"، وفهرس الفهارس "٢/ ٢٩٢، ٢٩٣".