للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شاكرا ملحوظا بعين المهابة والتجلة، مقصودا للملهوفين، محبوبا من أهل الدنيا والدين، وقلبه مع مولاه باطنا، وفي الأسباب ظاهرا، تحلى من الإنصاف بما يحمد به الإنصاف، حتى كان يظهر لمجالسة الأمية، ويخفض لأهل العلم جناح التواضع حتى يظفر بكل أمنية.

ومن فوائده المبسوطة على أطراف موائده ذاكرته يوما فيما يقوله بعض المالكية في حكم التجارة بأرض الحرب حيث كان هو يتجر في أوربا، فقال لي: لا جامدا على قول الفروعيين، فإن التجارة المذكورة في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} ١ كانت بالشام وهي أرض حرب إذ ذاك، وأقرهم عليها القرآن، والنبي -صلى الله عليه وسلم، وقد أتجر عليه السلام بها قبل البعثة بنفسه الكريمة وهو معصوم من المحرم ومن كل ما يقدح في العدالة قبل البعثة وبعدها، على أن أوروبا لم تبق دار حرب، بل هي الآن دار سلام منذ سلم المغرب أصطوله وعقد معها المعاهدات، وتحقق أمن المسلم فيها على دينه وماله وعرضه، وقد أذن الإمام في التجارة بها، وأطال رحمه الله بأدلة لصراحة حكم الجواز بأدلة، وهكذا كانت أجوبته طيب الله ثراه.

ولد نعمه الله بتازة سنة ١٢٥٩ تسع وخمسين ومائتين وألف حسبما أخبرني به، وفي سنة ١٣٢٠ ترك الاشتغال بالدنيا عن اختيار، وطلقها حال إقبالها بالبتات إلى الممات، وانزوى في بيته، وأقبل على مولاه بكليته من مطالعة إلى تلاوة إلى ذكر إلى مجاهدة ومشاهدة نحو تسع سنين، إلى أن استأثر به من له البقاء المنزه عن التغير والفناء بعد انحراف مزاجه أسبوعا في ٢١ ربيع النبوي عام ١٣٢٨ ثمانية وعشرين وثلاثمائة وألف، وسبحان من حجب الفضائل بالتراب، والنجوم بالسحاب، وجعل الحياة كلمع السراب، ومضجعه المنور بزاوية الصقليين أحبابه بباب عجيسة، وعند الله أحتسب مصيبتي به، فإنها أعظم مصاب، وأسأل له الفوز في دار المآب.


١ سورة الجمعة الآية: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>