مجالسه التي لا تؤبن فيها الحرم، ويعدونه له كشفا صادقا كنار على علم، ولو شئت، لذكرت من ذلك قضايا عجيبة كثيرة، لكني أكتفي بعلم كثيرين بها وهم أحياء لغاية كتب هذه الأحرف كي لا يقال: مادح أبيه مادح نفسه.
قرأ القرآن على شيخ المقرئين بتازة الذي له الفضل على كل من يمسك القلم بها الأستاذ السيد علال بن كيران، والفقه وغيره على مفتيها بوحجاز السابق لنا ترجمته والمقدم الشاهد، والرجل الصالح الحسن بن حنيني وغيرهم من أعلام تازة، ثم لما حدثت بعض الفتن بمسقط رأسه، ومنبت غرسه، انتقل والده بجميع العائلة الكريمة لفاس في حدود الثمانين من القرن الماضي عائدا لمقر أسلافه الكرام التي نقلوا منها على عهد الدولة الإسماعيلية العلوية، وهناك لازم الفقيه الكبير الحاج محمد بن المدني جنون، والشيخ أحمد بن أحمد بناني كلا، ثم أخذ عن محمد بن قاسم القادري الحديث والسير، وعن غيره من أقرانه، كان آية في الحفظ والاستحضار حكى لي قاضي تازة السيد محمد الخصاصي نزيل طنجة الآن، قال: كان أبوك يحضر مجلس وعظي، فكان يعيد لي كل ما يسمع مني عن ظاهر قلب بالحرف.
وفي المدة التي خاض فيها التجارة عرف لغتين الإسبانية والإنكليزية، وتشرف بالرحلة الحجازية أول ما لبس من الحجازية، ولقي مشرقا ومغربا رجالا عارفين فاغترف من بحرهم المعين، وتلقى راية الاختصاص باليمن، ولقد ظهر فضله، وكمل نبله، واستحصل في كل كمال رتبة قصوى، وله في السير والتاريخ اليد البيضاء، وفي علوم الاقتصاد والاجتماع مكانة عليا يعرفها أهلها، ولقد كان أكبر من الزمان وبنيه، وعدم روضه من يجتنيه، درة مغفلة، وخزانة على اللطائف مقفلة، أنظاره في السياسة بعيدة، وأفكاره ذات سهام سديدة، عرضت عليه وظائف مهمة فأبى، ورآها بالنسبة لحرية لسانه كالهبا، ولاستقلال فكره النضيج وحرية ضميره البهيج كان أكره شيء إليه التوصل إلى الدنيا الخسيسة بالدين الشريف، فكان يؤثر في تكسبه التجارة بعدما قضى من الطلب أوطاره، اقتدى بآبائه في الأخذ بالحظين والإرث بالسهمين، فكان محظوظا