للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باللغة الإيطالية إذ جلس هناك مدة ليست بالقصيرة في مأمورية دولية، فاستفاد كثيرا، ووقف على غلطنا الكبير الذي ابتليت به الأمة من قديم وهو جهلنا بما عند غيرنا، لذلك كان يرى تعين تعليم علم الأوروبيين وقدم أولاده لذلك، فأنجب منهم أفراد كانوا قدوة لسواهم حصلوا على معلومات قدمتهم لإحراز النصر في معترك الحياة، ونال بهم حظوة كما نالوها، وانتفع بهم وطنهم أي انتفاع، فمنهم ولده الأكبر خليل بوحاجب الذي هو الآن شيخ مدينة تونس، وهذا السيد على جانب عظيم من المزايا والمكارم، له أخلاق أرق من نسيم السحر لقلب من أسحر صيفا، أو مريض ظفر بالشفا، له مائدة حاتمية ومعالي عصامية، تحلى بوقار وسكينة فحل من النفوس بمكانة مكينة، وله معلومات أهلته لنوال منصبه الرفيع يتكلم باللغتين العربية والفرنسية، ويخطب باللسانين، ونال حظوة الدولتين، وله السمعة العاطرة بين قومه، محبوب في عشيرته، ومستقبله أزهر من ماضيه، والله يحفظه ويكثر من أمثاله. وبداره اجتمعت بوالده المذكور مع جملة من أعلام تونس العظام وغيرهم وفرهم الله، وحصلت مذاكرة علمية فاح شذاها، فعطرت النواحي الذفرة، وأحيت القلوب الميتة، وكان ذلك غرة قعدة الحرام عام ١٣٣٦، وقد أجازني إجازة عامة وخاصة، وناولني جزءا له مطبوعا جمع فيه خطبة الجمعية التي كان يخطب بها بتونس على النسق العصري النافع، حضا لأمته على النهوض، ونفض غبار الخمول، كما هو المفروض.

وسألني: هل لا زال خطباؤكم على النسق القديم في خطبهم مقتصرين فيها على من صام رمضان وأتبعه بست من شوال غير مبالين بإنذار قومهم بمن يتهددهم من البوار، وإرشادهم لما فيه صلاح دنياهم التي بها صلاح دينهم وأخراهم؟

فأجبته: لا زال خطباؤنا على الطرز القديم تماما وهم في نومهم كأمتهم تحسبهم جامدين، فتأسف كثيرا. وقال لي: لا ينبغي ولا يحمد من مثلك السكوت، بل يجب عليك إيقاظ قومك فقلت له: والله لقد بذلت ما في الوسع في دروسي وغيرها، ولكن ماذا ينتفع إيقاظ من لا حياة له، إذ تناديه ودور النوم لا زال لم يتم في الأمتين، وأخاف أن لا يستيقظوا إلا وقد فات الإبان الذي تنفع

<<  <  ج: ص:  >  >>