وأما "ثم" فللترتيب والتراخي (١)؛ نحو: ﴿فَأَقْبَرَهُ، ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ﴾ (٢). وقد توضع موضع الفاء؛ كقوله:
جرى في الأنابيب ثم اضطرب (٣)
أخرى تصلح أن تقول: أقبل محمد يضحك فتنشرح قلوب الزملاء، وعكسه نحو: أقبل محمد تنشرح قلوب الزملاء فيضحك، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
واخصص بفاء عطف ما ليس صله … على الذي استقر أنه الصلة
أي تختص الفاء بأنها تعطف جملة لا تصلح أن تكون صلة لخلوها من الرابط على جملة أخرى تصلح صلة لاشتمالها على الرابط، ومثل الصلة: الخبر، والصفة، والحال، كما بينا. ومن أحكام الفاء: أنها لا تنفصل من معطوفها بفاصل مطلقا، وتعطف المفردات، كما تعطف الجمل، ويجوز حذفها بقرينة؛ تقول: أنفقت المال جنيها، جنهين، ثلاثة. وتشترك مع الواو في أن كلا منهما يعطف عاملا قد حذف وبقي معموله؛ تقول: اشتريت الكتاب بدينار فصاعدا، أي فذهب الثمن صاعدا. وسيأتي إيضاح ذلك، وإن كلا يجوز حذفه عند أمن اللبس، وحذف الواو أكثر.
(١) التراخي هو: انقضاء مدة زمنية بين وقوع المعنى على المعطوف عليه، ووقوعه على المعطوف. وتحديد هذه المدة متروك للعرف. و"ثم" تعطف المفردات والجمل، وقد تدخل عليها تاء التأنيث لتأنيث اللفظ، فتختص بعطف الجمل؛ نحو: من ظفر بمطلوبه ثم أهمل في الحفاظ عليه فلا يلومن إلا نفسه. وتكتب بتاء غير مربوطة.
(٢) الآية ٢٢ من سورة عبس.
(٣) عجز بيت من المتقارب لأبي داؤد، حارثة بن الحجاج الإيادي، من قصيدة يصف فيها فرسه، وصدره:
كهز الرديني تحت العجاج
اللغة والإعراب: الرديني: الرمح المنسوب إلى ردينة، وهي امرأة اشتهرت بصنع
* "عطف" مفعول اخصص. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "ليس صلة" الجملة من ليس ومعموليها صلة ما. "على الذي" متعلق بعطف. "أنه الصله" المصدر المؤول من أن ومعموليها فاعل استقر، وجملة "استقر" من الفعل والفاعل صلة الموصول.