الثالث التعليق: هو إبطال العمل لفظًا لا محلا (١)؛ لمجيء ما له صدر الكلام بعده، وهو: لام الابتداء؛ نحو: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ (٢) مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ﴾. ولام القسم كقوله:
ولقد علمت لتأتين منيتي (٣)
(١) أي: إن العامل يمنع من العمل الظاهر؛ وهو النصب في لفظ المفعولين أو أحدهما ولكنه في التقدير عامل؛ وذلك بسبب مانع يحول بينه وبين العامل الظاهر. وسمي هذا النوع من العمل تعليقًا؛ لأن العامل متعلق بالمحل ومقدر عمله فيه، وإن بطل عمله في اللفظ؛ بسبب هذا المانع كما سترى. واعلم أن الجملة في حالة التعليق لفظها مرفوع ولكنها في محل نصب؛ فإذا عطفت عليها جاز مراعاة لفظها برفع المعطوف، وجاز نصبه مراعاة لمحلها. أما في حالة الإلغاء فالجملة لا محل لها من الإعراب، ولا يعطف عليها إلا بالرفع تبعا للفظها.
(٢) فاللام في "لمن" للابتداء، و"من" اسم موصول مبتدأ أول، وجملة أول جملة "اشتراه" صلة "ما" ثانية "له" خبر مقدم، "من خلان" مبتدأ ثان مؤخر على زيادة من، والجملة خبر الأول وهو "من" الموصولة، وجملة "من اشتراه" في محل نصب سدت مسد مفعولي "علم"، وقد علق عن العمل في اللفظ بسبب لام الابتداء بعده؛ لأن لها الصدارة فلا يتخطاها عامل، وإلا فقدت صدارتها.
(٣) صدر بيت من الكامل؛ للبيد بن ربيعة من معلقته المشهورة. وعجزه:
إن المنايا لا تطيش سهامها
اللغة والإعراب:
منيتي: المنية: الموت. لا تطيش: لا تخيب ولا تخطئ؛ يقال طاش السهم: إذا لم يصب الهدف. سهامها: جمع سهم. "ولقد" الواو حرف قسم، والمقسم به محذوف، واللام واقعة في جواب القسم، وقد للتحقيق. "علمت" الجملة جواب القسم لا محل لها. "لتأتين" اللام واقعة في جواب قسم آخر مقدر، وتأتين مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. "منيتي" فاعل. والجملة من الفعل والفاعل سدت مسد مفعولي "علم" المعلق بلام القسم؛ فيكون قد أقسم على العلم، وأقسم على الإتيان.
وقيل: إن لتأتين جواب القسم المذكور. ولا يقدر قسم بعد علمت، واللام في لقد للتوكيد.
المعنى: لقد أيقنت أني سألاقي الموت، وأن منيتي آتية لا محالة؛ لأن الموت مقدر ونازل بكل مخلوق، ولا يفلت منه أحد أبدا.
الشاهد: وقوع "علمت" قبل لام جواب القسم؛ وهي لها الصدارة، فعلقت عن العمل في لفظ الجملة بعدها، وهي في محل نصب سدت مسد المفعولين كما بينا في الإعراب.