لتوكيد الفعل نونان: ثقيلة (١) وخفيفة؛ نحو: ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا﴾ (٢) ويؤكد بهما الأمر مطلقًا (٣)، ولا يؤكد بهما الماضي مطلقًا (٤)، وأما المضارع فله حالات:
إحداها: أن يكون توكيده بهما واجبًا؛ وذلك إذا كان مثبتًا مستقلًا، جوابًا لقسم، غير مفصول من لامه بفاصل (٥)؛ نحو: ﴿وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾، ولا يجوز توكيده بهما إن كان منفيًا (٦)؛ نحو: ﴿تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ (٧)؛ إذ التقدير: لا تفتأ، أو
[باب: نوني التوكيد]
(١) أي مشددة، والتوكيد بها أشد وأبلغ وأقوى في تأدية الغرض من المخففة الساكنة؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى غالبًا.
(٢) اجتمعت الثقيلة والخفيفة في هذه الآية، وجيء بها مشددة في ﴿لَيُسْجَنَنَّ﴾؛ لأن امرأة العزيز كانت أشد حرصا على سجنه من كونه صاغرًا؛ لأنها كانت تتوع حبسه في بيتها؛ فيكون قريبًا منها، وتراه كلما شاءت. من الآية ٣٢ من سورة يوسف.
(٣) أي من غير شرط؛ سواء كان بالصيغة، أم بلام الأمر، نحو: ليقومن؛ لانه مستقبل يدل على الطلب دائمًا، وسواء كان باقيًا على معنى الأمر الخالص، أو خرج إلى غرض آخر؛ كالدعاء مثلًا، مع بقاء صيغته على حالها.
(٤) أي: ولو كان بمعنى الاستقبال؛ ذلك لأنهما يخلصان مدخولهما للاستقبال، وذلك ينافي المضي، فيكون هناك تناقض، وأما قول الشاعر:
دامن سعدك إن رحمت متيمًا … لولاك لم يك للصبابة جانحا
فضرورة سهلها أن الفعل مستقبل معنى؛ لأن الدعاء إنما يتحقق في الاستقبال.
(٥) قيل: إنما وجب التوكيد في هذه الحالة للفرق بين لام القسم ولام الابتداء، ولا بد من توكيده باللام والنون عند البصريين، وأجاز الكوفيون الاكتفاء بأحدهما.
(٦) إما لفظا؛ نحو: والله لا أكتم الشهادة إن دعيت لها، أو تقديرا؛ كمثال المصنف؛ وإنما امتنع في هذه الحالة لأن من أدوات النفي ما يخلص الفعل للحال؛ مثل "لا" و"ما" النافيتين؛ وذلك ينافي التوكيبد بالنون، وعمم في الباقي.