ومنها أن لام مضارعها يجوز حذفها، وذلك بشرط كونه مجزومًا بالسكون (١)، غير متصل بضمير نصب، ولا بساكن؛ نحو: ﴿وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ (٢)، بخلاف: ﴿مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ﴾، ﴿وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ﴾؛ لانتفاء الجزم، ﴿وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ﴾؛ لأن جزمه بحذف النون، ونحو:"إن يكنه فلن تسلط عليه"؛ لاتصاله بالضمير (٣)، ونحو: ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾؛ لاتصاله بالساكن (٤). وخالف في هذا يونس (٥)، فأجاز الحذف تمسكًا بنحو قوله:
(١) إذا دخل الجازم على مضارع "كان" حذفت الضمة للجازم، والواو التي قبل النون وجوبا، لالتقاء الساكنين؛ نحو: لم أكن، وأصله: أكون. ويجوز بعد ذلك حذف النون تخفيفًا في حالة الوصل، لا في حالة الوقف. ولا فرق في ذلك بين مضارع "كان" التامة أو الناقصة.
(٢)"أك" مضارع مجزوم بالسكون على النون المحذوفة للتخفيف.
(٣) هذا جزء من حديث قاله الرسول ﵇ لعمر ﵁ في شأن ابن صياد، وكان قد حبسه. وقد سبق الكلام عليه في باب النكرة والمعرفة صفحة ١٠٨.
(٤) أي: وهو لام التعريف، وكسرت النون لذلك، ولم تحذف لقوتها بالحركة. وفيما تقدم يقول الناظم:
ومن مضارع لـ"كان" منجزم … تحذف نون وهو حذف ما التزم*
أي: إن المضارع من "كان" مطلقا -تامة أو ناقصة- تحذف منه النون عند جزمه، وهو حذف جائز غير لازم.
(٥) هو أبو عبد الرحمن يونس بن حبيب المصري، من أصحاب أبي عمرو بن العلاء. كان بارعا في النحو؛ سمع من العرب، وروى عنه سيبويه كثيرا؛ فهو شيخه، وسمع منه الكسائي والفراء، وله قياس في النحو ومذاهب ينفرد بها. وكان له بالبصرة حلقة يؤمها أهل العلم وطلاب العربية، وفصحاء الأعراب والبادية. ومات في خلافة الرشيد سنة ١٨٢ هـ، وقد قارب التسعين، ولم يتزوج.
* "ومن مضارع" جار ومجرور متعلق بتحذف. "لكان" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لمضارع. "منجزم" نعت ثان لمضارع. "تحذف نون" فعل ونائب فاعل. "وهو حذف" مبتدأ وخبر. "ما" نافية. "التزم" ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود على حذف، والجملة في محل رفع صفة لحذف.