للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: في ذكر معاني الحروف١.

لـ"من" سبعة معان:

أحدهما: التبعيض٢؛ نحو: {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ، ولهذا قرئ: {بَعْضَ

مَا تُحِبُّونَ} .

والثاني: بيان الجنس٣؛ نحو: {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} .


١ بين البصريين والكوفيين خلاف في جواز نيابة بعض الحروف عن بعض؛ فمذهب البصريين أن لكل حرف من حروف الجر معنى واحدا، يؤديه على سبيل الحقيقة؛ فمعنى "في" الظرفية، و"على" الاستعلاء، و"من" الابتداء، و"إلى" الانتهاء. إلخ؛ فإذا أدى معنى آخر غير الحرف الخاص به، كان تأديته لهذا المعنى بطريق المجاز، أو بتضمين العامل الذي يتعلق به الحرف معنى عامل آخر يتعدى بهذا الحرف، ولا بد لصحة استعمال المجاز من علاقة بين المعنى المنقول منه، والمعنى المنقول إليه، وقرينة تصرف الذهن عن المعنى الأصلي إلى المعنى المجازي.
ومذهب الكوفيين: أن قصر الحرف على معنى واحد تعسف لا مبرر له، وأنه إذا اشتهر استعمال الحرف في معنى، وشاعت دلالته عليه؛ بحيث يفهمها السامع بلا لبس ولا غموض؛ كان هذا المعنى حقيقا بالنسبة للحرف، ولا مجاز ولا تضمين، وفي هذا المذهب تيسير، وقد رجححه كثير من المحققين، على أن الباحثين منفقون على أن المجاز إذا اشتهر وشاع أصبح حقيقة عرفية.
٢ أي الدلالة على البعضية، وعلامتها: صحة حذف "من" ووضع "بعض" مكانها.
٣ أي بيان أن ما بعدها جنس يشمل ما قبلها، وأكثر ما تقع بعد "نا" و"مهما" لشدة إبهامهما، وعلامتهما: صحة الإخبار بما بعدها عما قبلها، وهنالك علامة أخرى وهي: صحة حذف "من" ووضع اسم موصول مكانها؛ مع ضمير يعود على ما قبلها إن كان معرفة. فإن كان نكرة، فالعلامة أن يخلفها الضمير وحده؛ فنحو: {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} تقول فيه: هي ذهب. و"من" البيانية مع مجرورها، ظرف في محل نصب على الحال. إن كان ما قبلها معرفة، ونعت تابع لما قبلها إن كان ما قبلها نكرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>