للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتعبير جرير بذي العمامة كتعبير أبي الطيب عنه بمن في كفه منهم قناة، وكذا التعبير عن المرأة بذات الخمار، وبمن في كفه منهم خضاب، وفي بيت أبي الطيب مزيد مبالغة حيث جعل المنهي للحرب كالمرأة المنتقبة التي في يدها الخضاب، فإنها أضعف من المرأة الخادمة المتمرنة على العمل، والسعي المتحملة للشدائد، وفيه صنعة التوجيه فإنه يحتمل المدح بالشجاعة بأن يحمل على أن في يده منهم قناة، كمن في كفه منهم خضاب، لتلطيخه بدم الخصم، وله احتمال آخر يخرجه عن تشابه المعنيين، وهو أن من في كفه منهم قناة ليس القناة في كفه إلا زينة لكفه، ولا يتأتى منه فائدة سوى الزينة، كمن في كفه منهم خضاب، إذ ليس الخضاب إلا زينة، وهذا هكذا، وإن يدل على ضعفهم لكن لا بالتسوية بين النساء وبينهم.

في الإيضاح: ولا يغرك من البيتين المتشابهين أن يكون أحدهما نسيبا والآخر مديحا أو هجاءا أو افتخارا أو غير ذلك، فإن الشاعر الحاذق إذا عمد إلى المعنى المختلس لينظمه احتال في إخفائه، فغير لفظه، وعدل به عن نوعه ووزنه وقافيته.

(ومنه) أي من غير الظاهر (النقل وهو أن ينقل المعنى إلى محل آخر كقول البحتري: [سلبوا]) أي ثيابهم [(وأشرقت)] أي دخلت في شروق الشمس [الدّماء] كائنة ([عليهم]) فعليهم حال من الدماء مثل ([محمرّة]) أي غير مخلوطة بما يغير لونها [فكأنّهم لم يسلبوا] (١)، لأن الدماء المشرقة صارت بمنزلة ثياب لهم. [(وقول أبي الطيب [يبس النّجيع]) هو من الدم ما كان إلى السواد [(عليه)] أي على السيف [(وهو مجرّد من غمده فكأنّما هو مغمد)] (٢)

، لأن الدم اليابس له بمنزلة الغمد له، فنقل أبو الطيب المعني من القتلى والجرحى إلى السيف، وإذا وقع هذا النقل في المتشابهين زاده خفاء في الأخذ.

(ومنه) أي من غير الظاهر (أن يكون معنى الثاني أشمل من) معنى الأول (كقول جرير:


(١) البيت في ديوانه: (١/ ٧٦)، والإيضاح: (٣٥٧)، والإشارات: (٧١٣).
(٢) البيت في ديوانه: (١/ ٣٣٧) من قصيدة يمدح فيها شجاع بن محمد الطائي، وهو في الإيضاح: (٣٥٧)، والإشارات: (٣١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>