للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموافق لما صرح به ابن العميد (١) حيث قال: فيه شيء من الهجنة هو هذا التكرير في أمدحه أمدحه، مع الجمع بين الحاء والهاء، وهما من حروف الحلق، خارج عن حد الاعتدال، نافر كل التنافر، أي نافر تنافرا بالغا حد الكمال، وهو ما يخرج به الكلمة عن الفصاحة، فلا ينافي الحكم بأنه دون قوله [ليس قرب قبر حرب قبر] في الثقل، وإنما جعل واو الورى حالية لا عاطفة ليوافق ما يقابله وهو [وإذا ما لمته لمته وحدي] هذا إذا فسر معية الورى بالمشاركة في المدح، ووحدته بعدم مشاركتهم له في الملامة، كما في الشرح. أما لو فسر المعية بحضور الناس، والوحدة بعدم حضورهم يعني أمدحه دائما بحضور الناس لابتهاج الناس به، ولا يمكن ملامته بحضور أحد، بل لو ليم ليم في غيبة الناس- لتعين جعل الواو للحال، والتفسير المشهور أبلغ في استحقاقه المدح، وهذا التفسير أبلغ في تنزيهه عن الملامة، من لطائف تنزيهه عن الملامة أنه لم يقدر على ذكر ملامته إلا في صورة النفي، فزاد ما بعد إذا إبرازا لملامته في صورة النفي، ومما يرجح الحال على العطف أن في عطف المفرد كلفة إسناد فعل المتكلم إلى الاسم الظاهر، وفي عطف الجملة فوت التناسب، ولغيرنا وجوه أخر تركناها لأهلها، ومن فوائد الشرح أن في استعمال إذا والفعل الماضي هاهنا اعتبارا لطيفا هو إيهام ثبوت الدعوى، كأنه تحقق منه اللوم فلم يشاركه أحد.

(والتعقيد أن لا يكون ظاهر الدلالة على المراد) كون التعقيد متعديا، ولذا فسره الشارح بكون الكلام معقدا على لفظ المفعول يوجب أن يكون في تفسيره بما ذكر تسامح، لأنه معنى يقتضي اللزوم فالأولى جعل الكلام غير ظاهرة الدلالة ... إلخ. وقد اعترض عليه بأن التعقيد لو كان مخلا بالفصاحة لم يكن اللغز والمعما (٢) مقبولا، مع أنه مما يورد في علم البديع، والجواب أن قبولهما ليس من حيث الفصاحة بل لاشتمالهما على دقة يختبر بهما أهل الفطن، ولعدم فصاحتهما لم يوردهما صاحب المفتاح والمصنف، في كتابيهما، ولا يخفى أن الكون غير ظاهر الدلالة صادق على عدم الظهور لاشتماله على لفظ غريب، أو مخالف


(١) ابن العميد: هو أبو الفضل محمد بن الحسين العميد بن محمد، من أئمة الكتاب كان متوسعا في علوم الفلسفة والنجوم، ولقب بالجاحظ الثاني توفي سنة ٣٦٠ هـ.
(٢) اللغز والمعما نوعان من البديع عند المتأخرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>