للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إما حقيقة عقلية وإما مجاز عقلي، لأن تقسيم الإسناد إليهما لا يتم، إذ كل منهما أعم من الإسناد من وجه، كما عرفت، فلم يصلح قسما له.

وقال الشارح المحقق: لأن من الإسناد ما ليس بحقيقة ولا مجاز عنده، كما إذا لم يكن المسند فعلا أو معناه، كقولنا: الحيوان جسم، فكأنه قال: بعضه حقيقة عقلية، وبعضه مجاز عقلي، وبعضه ليس كذلك.

هذا وفي كون منه ومنه مفيد الوجود قسم آخر- خفاء، والظاهر أنه لدفع قصد توهم الانحصار، لا لإفادة عدمه ويمكن توضيح ما ذكره بأن إفادة منه، ومنه كون كل من الأمرين بعضا من الإسناد بالنظر إلى بعض آخر لم يذكر، وإلا فكون كل منهما بعضا بالنظر إلى الآخر بين يلغو بيانه بإيراد كلمة التبعيض، ويكفي فيه أن يقال: الإسناد حقيقة عقلية ومجاز عقلي.

واختلف في الحقيقة والمجاز العقليين. قال المصنف: المسمى بالحقيقة العقلية والمجاز العقلي على ما ذكره صاحب المفتاح هو الكلام، وهو الموافق لظاهر كلام الشيخ عبد القاهر، في مواضع من دلائل الإعجاز؛ وقول جار الله وغيره إنه الإسناد، وهو ظاهر من نقله الشيخ ابن الحاجب (١) عن الشيخ عبد القاهر، ونسبة الإسناد إلى الفعل لذاته، ونسبة الكلام إليه بواسطته فهو أحق بالتسمية بالعقلي، فلذا اخترناه.

ووجه نسبة الإسناد إلى العقلي بما تنقيحه أن كون الإسناد في أنبت الله البقل إلى ما هو له، وفي أنبت الربيع البقل إلى غير ما هو له، مما يدرك بالعقل من دون مدخلية اللغة، لأن هذا الإسناد مما يتحقق في نفس المتكلم قبل التعبير، وهو إسناد إلى ما هو له، أو إلى ما غير ما هو له، قبل التعبير، ولا يجعله التعبير شيئا منهما. فالإسناد ثابت في محله، أو متجاوز إياه بعمل العقل، بخلاف المجاز اللغوي مثلا، فإن تجاوزه محله؛ لأن الواضع جعل محله غيره هذا المعنى، ولهذا يصير: أنبت الربيع البقل من الموحد مجازا، ومن الدهري حقيقة، لتفاوت عمل عقلهما، لا لتفاوت الوضع عندهما، وبهذا اندفع أن:


(١) ابن الحاجب: هو أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس ابن الحاجب من كبار العلماء بالعربية، ولد بمصر سنة ٥٧٠ هـ ومات بالإسكندرية سنة ٦٤٦ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>