للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحينئذ لا يكون إسنادا إلى ما هو له عند المتكلم، لا في الحقيقة ولا في الظاهر، بل يكون إما مجازا أو ما يكره.

وثالثهما: أنه مع علم المخاطب بأن المتكلم عالم بأنه لم يجئ يحتمل أن لا يعلم المتكلم ذلك، ويكون في ذلك الخطاب مخفيا عنه اعتقاده، فيكون إسنادا إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر، ومما لا بد من التنبيه عليه أن المراد بالإسناد إلى ما هو له الإسناد إلى ما هو له من حيث إنه ما هو له، إذ قد يكون الشيء ما هو له باعتبار غير ما هو له، باعتبار آخر إما في النفي فقد عرفت، وإما في الإثبات كما في قول الخنساء تصف ناقتها:

فإنّما هي إقبال وإدبار (١)

فإن الشيخ قال: لو جعلت الإقبال بمعنى المقبل، حتى يكون المجاز في الكلمة أو جعلت التقدير ذات إقبال حتى يكون إيجاز الحذف- لكان مغسولا من الفصاحة، عايّا مرذولا عند أصحاب البلاغة. ومن قال ممن يعتد بشأنه: إنه بتقدير المضاف قصد أن أصل الكلام فيه ذلك بل المعنى أنها لكثرة إقبالها وإدبارها كأنها تجسمت منهما، فالمجاز في إسناد الإقبال؛ لأنه وإن كان لها من حيث القيام بها لكنه ليس لها من حيث الحمل والاتحاد، فأقبلت حقيقة وهي إقبال مجاز.

وقد عدل المصنف عن ترتيب المفتاح حيث قدم المجاز العقلي لأنه المقصود بالبيان في فن البلاغة، المشار إليه بالبنان، لأن تقديم المجاز العقلي يوجب فضلا كثيرا بين الحقيقة والمجاز؛ لكثرة ما يتعلق به، وما قصد بذكرها من مزيد إيضاح المجاز بمعرفتها إنما ينتظم كل انتظام بمقارتها، على أن بعض مباحث المجاز مما لا بد فيه من معرفة الحقيقة كما ستشاهد. وعدل عن تعريفه للحقيقة والمجاز، لأنه إخبار أنهما ما ذكرهما جار الله وغيره، وظاهر كلام ابن الحاجب أنه مذهب عبد القاهر؛ فلا يصح تعريفهما بالكلام، لأنهما صفة الإسناد، وأما اشتراطه أن يكون المسند فيهما فعلا أو ما في معناه، فلما نقله عن جار الله من أن المجاز


(١) البيت في ديوانها (٣٩) وصدره والبيت قبله:
وما عجول على بؤ تطيف به ... لها حنينان: إعلان وإسرار
ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت ... ...
الإقبال والإدبار: أي لا تنفك تقبل وتدبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>