(فللاحتراز عن العبث) وهو ذكره على ما اشتهر، لأن اللفظ يعلم دون الذكر، فالذكر عبث وذكره أو القرينة على ما نقول؛ لأن فائدة القرينة معرفة اللفظ، فإذا علم بالذكر لغت وصارت عبثا، وإنما قال:(بناء على الظاهر) لأنه الركن الأعظم من الكلام، فكيف يكون ذكره عبثا؟ أو كيف يكون القرينة عليه مع الذكر عبثا؟ لأن الركن الأعظم يستحق اهتماما يوجب تكثير ما يحصر به، ولا يخفى أن هذا التقرير يخص بالمسند إليه، ولو أريد جعل الاحتراز عن العبث بناء على الظاهر مشتركا بينه وبين غير المسند كما ستعرف مما ذكره المصنف في أحوال المسند بل مشتركا بينه وبين غير المسند أيضا، فينبغي أن يقتصر على أن ما هو مقصود بالإفادة كيف يكون ذكره مستدركا. أو كيف تكون تقوية الذكر بالقرينة مستدركة؟ ! فإن قصد الإفادة ربما يوجب اهتماما واحتياطا بدفع العبث، وبترك حديث كونه ركنا أعظم؛ بل كونه ركنا، ولا يذكر كما ذكره، ولم يجعل الحذف لوجود القرينة وللاحتراز أو غيره؛ لئلا يوهم أن وجود القرينة من المزايا التي تخص البليغ بملاحظته، لأن العامي أيضا يحذف لوجود القرينة، ووجود القرينة مصحح، والمزايا هي المرجحات. وقال الشارح: لم يتعرض له اعتمادا على معرفته في النحو وما ذكرنا أوجه.
(أو بتخييل العدول إلى أقوى الدليلين من العقل واللفظ) كون الحرف موضوعا للجزئيات بوضع واحد ليستعمل في واحد منها بخصوصه يمنع من عطف شيء على مدخوله، لأنه يستدعي أن يراد به في تلفظ واحد معنيان بالنظر إلى كل مدخول معنى، وهو بمنزلة أن يقال عسعس اليوم، والليل، ويراد أقبل اليوم وأدبر الليل، ولهذا أكاد أحكم بأن العطف على مدخول الحرف ليس إلا بتقديره لا باعتبار الاستصحاب، ومعنى تخييل العدول أنه يخيل للسامع أنه أفاد المسند إليه بأقوى الدليلين، وهو العقل؛ لأن الدلالة العقلية لا تتخلف بخلاف الدلالة الوضعية، وذلك التخييل يوجب نشاط السامع، وتوجه عقله نحو المسند إليه زيادة توجه، وإنما قال: تخييل العدول إذ لا عدول من اللفظ، بل العقل يرشد إلى اللفظ، ويفهم من اللفظ، ولأن القرينة دلالتها عقلية، بمعنى غير وضعية، لا بمعنى أنه لا يتخلف عنه المدلول.