للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذا قد يعكس ذلك فى بلد آخر وهكذا، دقيقة قد أبدعها السكاكى، واتخذها من جاء بعده مذهبا يشعر به قوله فى صدر هذا البحث: «وهاهنا دقيقة» والحق أن لا استغراق إلا حقيقيا، والتصرف فى أمثال هذا المثال فى الاسم المعرف حيث خص ببعض مفهومه بقرينة التعارف، فأريد بالصاغة إحدى الصاغتين، وأدخل اللام واستفيد العموم.

فإن قلت: لم لم يجعل الصاغة عهدا تقديريا؟ قلت: لا نزاع فى صحته، وإنما الكلام فيما إذا أريد بها كل صاغة. ولو نازعت فى الإرادة يقطع نزاعك، وبالعدول إلى التمثيل بقولنا: جمع الأمير كل صاغة، ولما كان المثنى أشمل من المفرد، والجمع من المثنى، وكان الغرض من وضعهما الشمول لقصور المفرد عنه، وكان يتبادر إلى الوهم أن الجمع المستغرق أشمل من المثنى، والمثنى المستغرق أشمل من المفرد المستغرق إذ زاد موجب الشمول نبه على فساده بأن استغراق المفرد يكون أشمل، واعتمد على أنه يتنبه الفطن منه؛ لأن استغراق المثنى منه يكون أشمل من الجميع فقال: (واستغراق المفرد أشمل) (١) أى: استغراق ما هو مفرد فى المعنى سواء كان مفردا فى اللفظ أو لا كالجمع المحلى باللام الذى بطل فيه معنى الجمعية أشمل من الجمع بحسب المعنى سواء كان جمعا صورة أو مفردا نحو: قوم ورهط ولم يقصد بذلك الحكم الكلى، والأظهر منه عبارة المفتاح، واستغراق المفرد يكون أشمل، والأظهر منهما قد يكون فلا يتجه أن قوله: (بدليل صحة «لا رجال فى الدار» إذا كان فيها رجل أو رجلان دون لا رجل) لا يتم؛ لأن الصورة الجزئية لا تثبت الدعوى الكلية؛ ولأنه معارض بأنه يصح «لا يطيق حمل هذا الحجر رجل»، حيث يطيقه رجلان أو رجال دون لا يطيقه رجال، وينساق الفهم مما ذكره إلى استغراق المثنى أشمل من استغراق الجمع، واستغراق جمع القلة أكثر من استغراق جمع الكثرة، واستغراق كل جمع محصور أشمل مما فوقه، فقولك: لا عشرة رجال أشمل من لا عشرين رجالا حتى أنه كان الواضح


(١) هذا صحيح في استغراق النكرة المنفية، أما استغراق المعرف باللام، فالمفرد والجمع فيه سواء، ولهذا كان قوله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب: ٦] شاملا لكل مؤمن، وليس خاصّا بجماعات المؤمنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>