للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوهم جواز اتخاذ غير الله بوحدته عقبه بقوله: إنما هو أى: الله إله واحد تكميلا للإرشاد بخلاف الدابر، فإن مناط الحكم هو الزمان لا الدبور على ما لا يخفى.

فإن قلت: فى كون وصف إليه بالواحد للبيان نظر، بل هو يشبه أن يكون وصفا للتخصيص، إنما يكون للتأكيد لو كان تنوين إله نصا فى الوحدة، وليس كذلك لاحتماله التعظيم والتكثير فوصفه بالواحد كوصف زيد بالتاجر لرفع الاحتمال. قلت: سبق قوله: لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ بجعل تنوين إله للوحدة وبعد فيه بحث؛ لأن وصف إليه ليس بالواحد الذى يشتمل عليه الإله؛ لأنه بمعنى الوحدة الفردية التى تجعل الجنس فردا منتشرا وهذه الوحدة بمعنى نفى الشركة، ولولاه لكان معنى إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ إنما الله فرد من الإله فلا يفيد توحيدا بل لا يكون كلاما مفيدا ولعلك لا يلتبس عليك الوصف للبيان بالبيان كما لا يلتبس الوصف للتأكيد بالتأكيد، فإن البيان الإيضاح نفس المتبوع، وذلك الوصف لبيان معنى فيه هو مناط القصد إليه ولا تظنن أنه التبس على السكاكى ذلك الرجل حيث أورده فى البيان، فإنه ذكره نظيرا للبيان لا مثالا له وله فى كتابه غير نظير ولقد تفطن لذلك المعنى المصنف بذكره فى الإيضاح هناك ولم يرد إيراده فى عطف البيان عليه وجعل صاحب المفتاح قوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ (١) من هذا القبيل، وقال ذكر فى الأرض مع دابة، ويطير بجناحيه مع طائر لبيان أن القصد من اللفظين إلى الجنسين وإلى تقريرهما هذا المعنى لدفع توهم أن يراد بهما ما هو أخص منهما كما فى جمع الأمير الصاغة فيكون زيادة من لاستغراق بعض أفرادهما لا لاستغراق الجمع وهذا مدار ما ذكره صاحب الكشاف أن معنى وصفهما بهذين الوصفين زيادة التعميم والإحاطة (٢) كأنه قيل: وما من دابة فى جميع الأرضين السبع ولا طائر يطير فى جو السماء من جميع ما يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم محفوظة أحوالها غير مهملة أمورها إذ لولا تقرير إرادة الجنس بعمومه لم تفد كلمة «من» استغراق جميع أفراد الجنس، فتوهم المصنف أن كلا من السكاكى والزمخشرى يوجه الآية


(١) الأنعام: ٣٨.
(٢) التعميم مستفاد من وقوع النكرة في سياق النفي، والزيادة لدفع احتمال إرادة دواب أرض واحدة أو طيور جو واحد، وجعل الاستغراق حقيقيّا في جميع الدواب والطيور. انظر الإيضاح ص ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>