المرتبة العليا إذا كان مجىء ذلك البعض بمنزلة مجىء الكل، وكذا قطع زيد يده إنما ينال تلك المرتبة إذا كان قطع يده كالاستئصال له لمزيد حاجة له إلى اليد لأنه كان ممن يكثر عمل اليد وتضييع بدونه. وبما ذكرنا ظهر أن ما ذكره من المثال له رجحان على الأمثال وزيد اتصال بالقسم الأول من الأبدال فكان جديرا بالاختيار وراجحا فى مقام الاعتبار (وسلب عمرو ثوبه) فى بدل الاشتمال وبيان التقرير فيه مشتمل عليه لظهور أن القصد ليس إلى نفسه بل إلى أمر من أموره؛ ولذا قيل يجب أن يكون المبدل منه فيه مقتضيا لذكر البدل ومشوقا إليه فنحو جاءنى زيد حماره ليس بدل اشتمال كما ذكره بعض النحاة إن كان هذا الواجب واجبا فى تحقيق بدل الاشتمال وغير معتبر عند البليغ لو كان واجبا فى كونه معتبرا عند البليغ فيجزم الشارح بأنه بدل غلط لا اشتمال كما ذكره بعض النحاة بعيدا عن الجزم.
ومما لا ينبغى أن يراعى فى سلب زيد ثوبه أن يكون سلب ثوبه بمنزلة سلب نفسه لكثرة تأثير فى سلبه إما لكمال فقره أو غيره وسكت عن بدل الغلط؛ لأنه ليس من أحوال المسند إليه؛ لأنه ذكر المبدل منه سهوا بطريق سبق اللسان أو للنسيان إما قصدا أو ادعاء كما فى قولك: البدر الشمس هذا، فهو ليس بمسند إليه فى قصد المتكلم لا صورة ولا حقيقة بل لم يقصد إليه أصلا أو ترك بالمرة فى وقت ذكر البدل، فاعرفه فإنه بديع دقيق وكأنه لهذا أمر المفتاح بالتأمل فى معرفة وجه ترك بدل الغلط لأن معرفة ما قيل من أن وجه السكوت أنه لا يقع فى كلام البليغ لا يستدعى تأملا بل تتبعا على أنه لا يتم؛ لأن بدل الغلط نوعان: ما هو لسبق اللسان أو النسيان، وما هو لدعوى أحدهما وإبهام أنه ذكر غلطا نحو بدر شمس جاءنى، فإنك وإن عمدت إلى بدر ترى أنه سبق به لسانك وإلا لا يصح أن يجعل «بدر» مشبها به له، والثانى يقع فى كلام البلغاء وهو معتمد الشعراء وشرطه الترقى من الأدنى إلى الأعلى وهو أبلغ من العطف ببل، ويسمى غلط بدل.
اعلم أن التثنية والجمع وما يجرى مجراه يقابلان المذكور بطريق العطف، فرب مقام يرجح العطف عليهما ورب مقام يرجح واحدا منهما عليه، فالبليغ فى بيان المتعدد لا يخرج عن ترجيح الإجمال بأحدهما على التفصيل بالعطف وعن ترجيح