يقال: أو رد السامع صريحا إلى الصواب فإن فى ما عداه لا نص إلا على المثبت ويجب فيه التصريح بالمثبت والمنفى إلا إذا كان المنفى لكمال ظهوره كالمصرح كما سيجىء إن شاء الله تعالى، ورد السامع إلى الصواب فى المثال المذكور بإزالة اعتقاده الشركية لا غير، فإنه إنما يكون لقصر الإفراد، على ما بينه الشيخ عبد القاهر وعند المفتاح تقلب به اعتقاد المخاطب أيضا، ويخاطب به من اعتقد أنه جاء عمرو دون زيد ووافقه المصنف، ويفهم من كلام الشارح فى بحث القصر أنه يخاطب به من اعتقد بمجىء أحدهما من غير تعيين لكنه حينئذ ليس لرد السامع إلى الصواب، بل لحفظه عن الخطأ، فليكن هذا نكتة أخرى للعطف على ذكر منك، ومن أمثلة رد السامع إلى الصواب: ما جاءنى زيد بل عمرو على ما قال ابن مالك (١) إن بل بعد النفى والنهى ك «لكن»، وجعل ابن الحاجب ذلك محتملا حيث قال: ما جاءنى زيد بل عمرو ويحتمل إثبات المجىء لعمرو مع تحقيق نفيه عن زيد وعليه ما سيأتى فى بحث القصر أن ما جاءنى زيد بل عمرو للقصر، ومما ذكره المفتاح والإيضاح أن ما جاءنى زيد لكن عمرو بمن اعتقد أن زيدا جاءك دون عمرو ولم يتعرضا لكونه لمن اعتقد الشركة فقال الشارح: إن مجيئه لرد السامع اعتقاد الشركة لم يقل به أحد وهذا وجه خفى، ومنهم من وجهه بأنه يحصل رد اعتقاد الشركة بالمعطوف عليه، فذكر الإثبات لغو ورده السيد السند بأنه منقوض بقولك: جاءنى زيد لا عمرو، والأولى أنه منقوض بباقى طرق القصر.
ونحن نقول: لم يذكروا «لكن» من طرق القصر إلا فى بحث العطف مثالا لرد السامع إلى الصواب، والعطف لا يرد به إلى الصواب فى قصر الإفراد؛ إذ هو مما اعتقده المخاطب بل هو لتقرير ما اعتقده من الصواب فجعله لقصر القلب فى مقام التمثيل به للرد إلى الصواب لا يوجب عدم كونه لقصر الإفراد لاحتمال أن يكون عدم التعرض به؛ لأنه لا يصلح بهذا الاعتبار لما يتم فيه من التمثيل وإنما لم يذكره المصنف فى المتن مع تعرضه له فى الإيضاح لأنه نحو جاء زيد لا عمرو من
(١) ابن مالك: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الطائي أحد الأئمة في علوم العربية، صاحب الألفية الشهيرة بألفية ابن مالك، ولد بالأندلس عام ٦٠٠ هـ وتوفي فيها عام ٦٧٢ هـ.