للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي حارت البريّة فيه ... حيوان مستحدث من جماد (١)

يعني: تحيرت البرية في المعاد الجسماني والنشور الذي ليس بنفساني، وفي أن أبدان الأموات كيف تحيا من الرفات كذا في ضرام السقط وقيله:

بان أمر الإله واختلف النا ... س فداع إلى ضلال وهاد (٢)

يعني: بعضهم يقول بالمعاد، وبعضهم لا يقول به، وبهذا يتبين أن ليس المراد بالحيوان المستحدث من الجماد آدم- عليه السّلام- ولا ناقة صالح ولا ثعبان موسى ولا القلس على ما وقع في الشروح لأنه لا يناسب السياق، هكذا ذكره الشارح فزيف ما في الشروح بأنه يخالف ما في ضرام السقط ويخالف البيت الذي قبله، وزيد في التزييف بأنه يخالف البيت الذي بعده وهو:

اللبيب الذي من ليس يغترّ ... بأن مصيره إلى الفساد (٣)

وأورد عليه السيد السند في شرح المفتاح بأن تلميذ الشاعر ذكر في تنوير السقط أن المراد حيرة الناس في خلقة آدم عليه السّلام من التراب، ومن البين أن كون التوجيه مخالف السياق لا يدفعه كونه من تلميذ الشاعر، ونحن نقول: كون الكلام في حشر الأجساد لا ينافي كون المراد بالحيوان المستحدث من الجماد أحد هذه الأمور بل نقول: المراد ما يعم الجميع والكلام تشبيه بليغ أي الذي تحيرت الناس فيه من الجسم المحشور ليس إلا كحيوان استحدث من الجماد والإعادة أهون من الاستحداث فبعد انكشاف الاستحداث بل تعدده لا مجال للتحير، وحينئذ لا يبعد أن يراد ما يشمل خلق الحيوانات من النطف، ومحصل الأبيات أنه ظهر أمر الإله بين العقلاء من كمال قدرته بخلق ما يكون خلق الإنسان من الرفات بالقياس إليه هينا واختلف الناس في بعث الأجساد فمنهم داع إلى ضلال وهو الإنكار ومنهم هاد إلى الاعتراف والذي تحيرت الخلق فيه حيث أنكروا ليس إلا كحيوان مستحدث من جماد واللبيب الكامل اللب من ليس يغتر بالحياة بأن


(١) البيت في داليته المشهورة بسقط الزند (٢/ ١٠٠٤)، والإيضاح (٥٩)، والمصباح (١٥)، والمفتاح (٩٨)، وشرح المرشدي على عقود الجمان (١/ ٥٩)، ولطائف التبيان (٥١)، والإشارات والتنبيهات (٤٦).
(٢) البيت قبل البيت السابق في داليته المشهورة.
(٣) للمعرى في داليته المشهورة بسقط الزند (٢/ ١٠٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>