للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظرا إلى الإطلاق السابق على ما فسره الشارح أن لا يتقيد بالمفعول به، لكن فسره المصنف في الإيضاح بالإطلاق عن المفعول عاما كان أو خاصا، والإطلاق عن عموم نفس الفعل بإرادة جميع أفراده، وعن خصوصه بإرادة بعض أفراده، وفيه أن التنزيل منزلة اللازم لا يتوقف على الإطلاق بهذا المعنى، فإن لك أن تقول:

فلان يعطي كل إعطاء أو إعطاء كذا (نزل منزلة اللازم) لم يقل: جعل لازما؛ لأنه في معنى المتعدى، لأن يعطي بمعنى: يفعل الإعطاء، إلا أنه لما كان المفعول داخلا في معناه لم يحتج إلى ذكر مفعول، فصار كاللازم في أنه لا يطلب منصوبا (لأن المقدر) بواسطة القرينة (كالمذكور) في أن الغرض من الفعل إفادة تلبسه به، لا وقوع مفهومه مطلقا (وهو ضربان) أي: المنزل منزلة اللازم نوعان (لأنه إما أن يجعل الفعل مطلقا كناية عنه) أي: عن ذلك الفعل (متعلقا بمفعول مخصوص دلت عليه) أي: على ذلك المفعول (قرينة) ولا بد للمعنى المكني أيضا من قرينة، ولو جعل ضمير عليه راجعا إلى الفعل المتعلق بمفعول مخصوص لم يفت بيان قرينه، لكن يلزم خلو الجملة عن ضمير موصوفها، أي: مفعول مخصوص إلا أن يجعل حالا بعد حال عن قوله عنه بتقدير قد، والاقتصار على الكناية يشعر بنفي صحة التجوز، ولم يقم عليه دليل، ولا دليل على نفي جعله كناية عن فعل متعلق بمفعول عام، فتقول: فلان يعطي بمعنى يعطي كل أحد، لأن العطاء إذا صدر عن مثله لا يخص أحدا، وقوله تعالى:

وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ (١) يحتمله؛ لأنه بمعنى توجد منه الدعوة، ودعوته ملزومة لدعوة كل أحد لتقرر عموم لفظه (أولا) يجعل كذلك (الثاني) كقوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٢) مثال للإثبات والنفي على ترتيبهما، وقدمه على الأول لتقدم عدم الجعل على الجعل، والحقيقة على الكناية، ولشرف شاهده، ولاستتباعه ذكر كلام السكاكي في معرفته مزيد دقة النظر، وقد فاز بها المصنف، فله مزيد اهتمام بذكره، وقال الشارح:

لأنه أكثر وقوعا قال (السكاكي) (٣) مخالفا لعبد القاهر حيث لم يعترف إلا بكونه


(١) يونس: ٢٥.
(٢) الزمر: ٩.
(٣) المفتاح ص ١١٦، ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>