حبستها بالمرساة، والمراد أمرهم بحبس أنفسهم في مكانهم عن الذهاب. نزاولها أي: يحاول الحرب ونعالجها وكون الإرساء حبس السفينة أو وهم البعض أن الضمير للسفينة، ومنهم من جعلها للحمر، والوجه الأول كما تشهد به تتمة البيت. ومعنى قوله: كل حتف امرئ إلخ أن أي: حتف يرد على المرء بتقدير الله، سواء كان حتف أنفه أو موتا آخر. فلا يرد الثاني الجبن ولا الأول الإقدام، وفرق بينه وبين حتف كل امرئ، وكأنّ الشارح غفل فقال في تقرير معنى البيت: فإن موت كل نفس يجري بمقدار الله تعالى وقدرته، لا الجبن ينجيه ولا الإقدام يرديه.
والمثال هو المحكي لا من حيث إنه في الحكاية فإن الفصل فيه لحفظ المحكى على ما كان، كما هو مقتضى الحكاية لا للاختلاف خبرا وإنشاء.
وإنما الفصل لذلك في كلام الرائد، ولم يعطف الرائد «نزاولها» على «أرسو»؛ لاختلاف الجملتين خبرا وإنشاء لفظا ومعنى، وليس عدم صحة جعله مثالا من حيث إنه في الحكاية؛ لأنّ الممثل الفصل بين جملتين لا محل لهما من الإعراب، وهما في كلام الحاكي في محل النصب بالقول كما ذكره السيد السند؛ لأن المقول مجموعهما وهو المنصوب، ولا نصيب بشيء من الجزئين في النصب.
وبهذا تضاعف ضعف ما ذكره الشارح من أنه مثال لمجرد الاختلاف لا لاختلاف جملتين لا محل لهما من الإعراب إذ الجملتان هنا منصوبتا المحل، ولا تزاحم بين كمال الانقطاع وشبه كمال الاتصال فلا يرد أن نزاولها إما تعليل للطلب كما قيل لا للإرساء وإلا لا يجزم كما في: أسلم يدخل الجنة، فهو جواب لسؤال مقدر، أي: ما بالك بأمرنا بالإرساء، فليس الفصل لكمال الانقطاع، بل شبه كمال الاتصال.
وإما حال كما نقول أي: أقيموا في حال مزاولة الحرب، ولا يخافوا الحتف فإن حتف كل امريء بمقدار، ولا يخفى أن الأمر بالإقامة في حال المزاولة أشد تأكيدا للمزاولة، فكذلك ليس الفصل للاختلاف المذكور إذ الحال لا نعطف على الجملة المقيدة بها حتى يكون تركه فصلا مبنيا على نكتة.
واعلم أن الاختلاف خبرا وإنشاء لا يمنع العطف فيما له محل من الإعراب كما