الشرح ولا بد فيه من قيود أخر نظرا إلى ما فسر به الخارج مخرج المثل، وهو ما يكون حكما كليا منفصلا عما قبله جاريا مجرى الأمثال في الاستقلال وفشو الاستعمال، فهذا الضرب المقابل له ينبغي أن يتحقق بأن لا يستقل أو يكون حكما جزئيا أو كليا لم يفش استعماله، وكان حسن الترتيب أن يقدم الضرب الثاني؛ لأنه ثبوتي إلا أن يقال الضرب الأول أشد ارتباطا بالمقصود من الثاني؛ فلذا قدم (نحو ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (١)
على وجه) وهو أن يكون المعنى، وهل يجازى ذلك الجزاء المخصوص؟ فيكون متعلقا بما قبله؛ لأنه لحصره في الكفور، وأشار بقوله على وجه أن هناك وجها آخر ليس بما نحن فيه، وهو ما نقله عن الزمخشري في الإيضاح، من أن الجزاء عام لكل مكافأة يستعمل تارة في معنى المعاقبة، وتارة في معنى الإثابة، فلما استعمل في قوله:
(جزيناهم بما كفروا) بمعنى عاقبناهم لكفرهم قيل: وهل يجازي إلا الكفور؟ ، بمعنى وهل يعاقب إلا الكفور؟ .
قال المصنف: فعلى هذا يكون من الضرب الثاني.
فإن قلت: لولا أن جزيناهم بمعنى عاقبناهم لا يحمل، وهل يجازي معنى وهل يعاقب، فيتوقف على سابقه.
قلت: التوقف لفهم المراد فالاحتياج يفهم باعتبار دلالة اللفظ، وهو لا ينافي الاستقلال إنما المنافي أن يكون نفس الحكم متوقفا على ما قبله بقي أنه لا يصح نفي مطلق المعاقبة عن غير الكفور فإنه المبالغة في الكفور، ويكفي في المعاقبة الكفر فعلى هذا أيضا لا بد أن يحمل النظم على أنه هل يعاقب ذلك العقاب إلا الكفور، فعلى هذا الوجه أيضا يكون من الضرب الأول مطلقا إلا أن يقال:
حصر العقاب ادعائي فلا يحتاج إلى التقييد، والأولى أن يجعل من الضرب الأول مطلقا، ويستغنى عن اعتبار الادعاء ويمكن أن يحمل الجزاء على المطلق، ويخرج مخرج المثل بأن يقال: لا جزاء إلا للكفر، وأما الإثابة فمحض فضل؛ لأن الشاكر لا يفي عمله بما وجده عاجلا، وليس ما يسمى جزاء إلا بارزا في معرضه من غير أن يكون على حقيقة الجزاء.