على ما هو ظاهر الأحوال من سوق المقام، ويرد على الحصر الاستعارة بالكناية على مذهب المصنف؛ لأنه ليس مما يدخل في المراد بالتشبيه هاهنا لا مجازا ولا كناية. واعترض السيد السند بأن ما ذكر من ابتناء الاستعارة على التشبيه، لا يوجب جعله من المقاصد البيانية، بل يوجب كونه مقدمة لبحث الاستعارة، وينافي كونه مقصدا من المقاصد البيانية، وكثرة مباحثه لا توجب ذلك، بل توجب جعله مقصدا على حدة بعد ثبوت كونه مقصدا.
قلت: ما يتوقف عليه المقصود الأصلي من العلوم بجعل منها، منه جعل مباحث القضايا من المنطق لابتناء القياس عليه، ومباحث الكليات منه لابتناء المعرف عليها.
قال السيد السند: الحق أن التشبيه أصل برأسه من أصول هذا الفن، وفيه من النكت واللطائف البيانية ما لا يحصى، وله مراتب مختلفة في الوضوح والخفاء مع أن دلالته مطابقية، ويضمحل ما ذهب إليه من أن الإيراد المذكور لا يتأتى بالوضعية، ولو تتبعت ما ذكره المصنف في «الإيضاح» من شرف التشبيه ولطائفه نقلا وتحقيقا، لم يبق لك شبهة فيما ذكره وتعجب أنه مع ذلك كيف لم يتنبه أن الطرق المختلفة جارية في الدلالة المطابقية، وأن ليس التشبيه متطفلا للاستعارة، لكن يتجه أن هذه اللطايف هل هي بيانية أم داخلة في المعاني لا بد لكونها من البيان من بيان.
ونقل السيد السند عن بعض الأفاضل فائدة، وهي أنك إذا قلت: وجهه كالبدر، لم ترد به ما هو مفهومه وضعا، بل أردت أنه في غاية الحسن، ونهاية اللطائف، لكن إرادة هذا المعنى لا ينافي إرادة المفهوم الوضعي، كما في الكناية وحينئذ ينبغي أن ينحصر مقاصد علم البيان في أربعة: التشبيه، والاستعارة، والكناية، والمجاز المرسل.
والوجه في الضبط أن يقال: إذا أريد باللفظ خلاف ما وضع له، فإما أن ينافي إرادة ما وضع له أو لا، وعلى كل تقدير فإما أن يبتني إرادته منه على تشبيه أو لا، فنسبة التشبيه إلى الاستعارة كنسبة الكناية إلى المجاز المرسل، إلا أن التشبيه مع كونه أصلا مقصودا مقدمة لمباحث الاستعارة، فاستحق التقديم عليها