وخصها المتكلمون ببعض الأحوال فكيفية فتكيف من مصنوعاتهم صرح به أهل اللغة، وليس المقدار والحركة منها عندهم كما يعلمه من فنهم، فتارة يقال أراد بالكيفيات مطلق الصفات، وتارة يقال: أراد بالمقدار وضعه من الطول والقصر والتوسط بينهما، وبالحركة السرعة والبطء والتوسط بينهما ويزيف الثاني بأن في كون هذه الأمور صفات حقيقة نظرا إذ رب طول يصير قصيرا بالنسبة إلى طول، ورب بطء يصير سرعة بالنسبة إلى آخر.
ونحن نقول لو جعل قوله كالكيفيات الجسمية مثالا للصفات الحسية وقوله مما يدرك بيانا لها وإشارة إلى نفسها لم يرد شيء.
(مما يدرك بالبصر) هو في اللغة حاسة العين ونفسها، وفي عرف الحكمة قوة مرتبة في العصبتين المجوفتين اللتين يتلاقيان فيفترقان إلى العينين، وفيه نظر؛ لأنه لا يصدق على بصر بعض الحول، فإن الحول قد يكون بتقاطع العصبتين إلى العينين، وقد يكون بعدم تلاقيهما فلا يصدق التعريف على بصر من لم يتلاق عصبتاه، بل على بصر الأحوال أصلا، لما قيل: إن قوله يتلاقيان فيفترقان ينبئ عن عدم التقاطع فتفطن. ولا يخفى أنه يدرك بالبصر غايته أنه لا يدرك مطابقا إذا لم يكن حوله نظريا، بل يكون عارضا ويرى الواحد اثنين، ويصدق على قوى أخرى مودعة فيهما.
(من الألوان والأشكال) المدرك بالذات بالبصر هو اللون والضوء، وما عداهما يدرك ثانيا، وبالعرض واللون مع كونه مدركا بالذات إدراكه مشروط بإدراك الضوء اكتفأ، وكأنه لم يذكر الضوء بذكر يدرك بالذات في التنبيه على المدرك بالذات.
واختار اللون بالذكر تنبيها على أنه المدرك بالذات دفعا لما يتوهم من توقف إدراكه على إدراك الضوء أنه مدرك بالعرض، وأكثر ذكر المدرك بالعرض؛ لأنه أبعد من كونه مبصرا كما بالغ في توضيحه.
والأشكال كالشكوال جمع شكل وهو في اللغة الصورة المحسوسة والمتوهمة في عرف الحكمة هيئة إحاطة نهاية واحدة بالجسم أو السطح كالكرة والدائرة أو