للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه كما يشبه الهيئة المنتزعة من أجرام النجوم اللوامع في أديم السماء الصافية الزرقاء هيئة درر نثرن على بساط أزرق.

كذلك يشبه أجرام النجوم اللوامع بالدرر، وأديم السماء بالبساط الأزرق شبها واضحا عاريا عن التكلف، لكنه أين هو عن التشبيه الذي يريك الهيئة التي تملأ القلوب سرورا وعجبا من طلوع النجوم مؤتلفة متفرقة في أديم السماء، وهي زرقاء زرقتها الصافية، وقد يكون بحيث لا يمكن فيه تشبيهات إلا بتكلف، كما تكلف من لم يذق حلاوة التشبيه المركب في قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ... (١) الآية فقال شبه المنافق بالمستوقد نارا وإظهاره الإيمان بالإضاءة، وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار.

وقد يكون بحيث لا يمكن فيه تشبيهات متعددة، ومثلوا لذلك بقوله:

كأنّما المرّيخ والمشترى ... قدّامه في شامخ الرّفعه

منصرف باللّيل عن دعوة ... قد أسرجت قدّامه شمعه (٢)

فإنه لا يصح تشبيه المريخ بالمنصرف بالليل عن دعوة.

أقول: وأن لا يحسن تشبيه المريخ بالمنصرف عن دعوة مع الاقتصار عليه، لكن يصح تشبيهه بالمنصرف عن دعوة، وتشبيه المشتري قدامه بشمعة أسرجت، فإن التشبيه ربما لا يحسن وحده، ويحسن إذا جمع مع تشبيه آخر، فبهذا عرف عن التشبيه المتعدد ما يقرب التشبيه الواحد المركب في التضام والتلاصق. وعرف أنه كم بين التشبيه المتعدد والتشبيه المركب، وأنه ليس التشبيهات المركبة في مرتبة فإن ما ساغ فيه التشبيهات المتعددة أيضا بلا تكلف له فضل على ما ساغت فيه بتكلف، وما ساغت فيه بتكلف له فضل على ما لم تسغ فيه أصلا، بل ما ساغت فيه، ولا بد من اجتماعها لهذا المساغ أعلى من الكل؛ لأن وجه تعدده يشبه وجه وحدته في التضام والتلاصق.

ولا يبعد أن يقصد تشبيه المركب بالمركب والأجزاء بالأجزاء في إطلاق


(١) البقرة: ١٧.
(٢) البيتان للقاضي التنوخي، علي بن داود أبي فهم، الشاعر الكاتب الناقد، صديق الوزير المهلبي. وهما في الإيضاح: ٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>