(فكأنّما هو) أي: ذلك النهار (مقمر)] (١) أي: ليل ذو قمر في القاموس المقمر، والمقمرة ليلة فيها القمر، فليس الكلام في تقدير الموصوف حتى يرد قول الشارح فيه تسامح، بناء على أنه في تقدير ليل مقمر ففيه شائبة تركيب على ما وجهه السيد السند، وللتسامح توجيه آخر، وهو أن هذا التشبيه في البيت لا يخلو عن تسامح؛ إذ شبه النهار بالشمس؛ لأن الضمير المشبه به راجع إليه. والمقصود تشبيه الهيئة شبه النهار المشمس الذي اختلط به أزهار الربوات، فنقصت باخضرارها من ضوء الشمس، حتى صار يضرب إلى السواد بالليل المقمر، فالمشبه مركب، والمشبه به مفرد.
(وأيضا) تقسيم آخر للتشبيه باعتبار الطرفين، ولا يناسب التقسيمات الأخر؛ لأنها كانت تقسيما لتشبيه واحد، وهذا تقسيم للتشبيهات المتعددة؛ إذ لا يتعدد طرفا تشبيه واحد. وأيضا ليس من وظايف البيان، بل هو من أفراد اللف والنشر الذي من الصنايع البديعية؛ وكان وجه التعرض له أن الملفوف ربما يلتبس بتشبيه مركب بمركب، وبتبعيته يتعرض للمفروق وأن لا التباس فيه.
ولا يخفى أن الملفوف والمفروق لا يخص بالطرف، بل يجري في الوجه أيضا.
(إن تعدد طرفاه) أي: كل من طرفيه (فإما ملفوف) قال المصنف وتبعه الشارح: وهو أن يؤتى بالمشبهين أولا، ثم بالمشبه بهما. هذا وهو قاصر، ويجب أن يقال: أو بالعكس؛ لئلا يخرج نحو كالعناب والحشف البالي قلوب الطير رطبا ويابسا.
قال الشارح: المراد أعم من الإتيان بطريق العطف أو غيره، وكأنه أراد به مثل قولنا: كالقمرين زيد وعمرو إذا أريد تشبيه أحدهما بالشمس والآخر بالقمر بقرينة (كقوله) أي: قول امرئ القيس يصف العقاب بكثرة اصطياد الطيور
(١) البيتان لأبي تمام من قصيدة يمدح فيها المعتصم، وهما في ديوانه: ٢/ ١٩٤، والإيضاح: ٢٢٨، والإشارات: ١٨٣، قوله- تقصيا نظريكما- بمعنى أبلغاه أقصاه، وقوله- تصور- أصله تتصور بمعنى تتشكل، والمراد ترياها قائلين ذلك على وجه التعجب، فالاستفهام مقول لقول محذوف، والنهار المشمس الذي لا غيم فيه، وقوله- شابه- بمعنى خالطه، والربى: جمع ربوة، وهي الأرض المرتفعة، ومقمر صفة لمحذوف تقديره ليل مقمر، وإني أرى أنه لا حاجة إلى تقدير هذا المحذوف، والمراد أن نبات الربى مع زهره قد خالطها النهار المشمس، لأن خضرة النبات داخلة أيضا في ذلك التشبيه.