حيث قال: ألا ترى أن إدراك الإنسان من حيث إنه شيء أو جسم أو حيوان أسهل وأقدم من إدراكه من حيث إنه جسم حساس متحرك بالإرادة ناطق؛ لأن المفصل يشتمل على المجمل وشيء آخر؛ فلهذا كان العام أعرف من الخاص، على أن في قوله: لهذا كان العام أعرف من الخاص نظرا؛ لأن العام ربما يكون مفصلا، كالجسم النامي الحساس المتحرك بالإرادة، والخاص مجملا كالإنسان.
وقال المصنف: ألا ترى أن الرؤية لا تصل في أول أمرها إلى الوصف على التفصيل، لكن على الجملة، ثم على التفصيل؛ ولذلك قيل: النظرة الأولى حمقاء، وفلان لم ينعم النظر، وكذا سائر الحواس فإنه يدرك من تفاصيل الأصوات، والطعوم في المرة الثانية ما لم يدرك في الأولى. وفيه بحث، وذلك لأن ذلك لبس للإجمال، فإن الإجمال بعد التفصيل في غاية المثابة، بل لأنه لا إتقان في النظرة الأولى، ولا يحصل إحكام النظر بها؛ لقلة إعماله.
(أو قليل التفصيل مع غلبة حضور المشبه به في الذهن، أما عند حضور المشبه لقرب المناسبة) بين المشبه والمشبه به مثلا؛ إذ قد يكون غلبة الحضور اتفاقا لا لقرب المناسبة، ولا يخفى أن غلبة حضور المشبه عند حضور المشبه به بجامع غلبة حضور المشبه به مطلقا، فلا يقابل بينه وبين قوله مطلقا، إلا أن يقيد الغلبة عند حضور المشبه به بقيد فقط، لكن لا يساعده المثال أو يجعل الترديد لمنع الخلو.
(كتشبيه الجرة الصغيرة بالكوز في المقدار والشكل) إذا اعتبر التركيب، وأما إذا لم يعتبر فهو أيضا أمر جملي يشهد له ما سيأتي من أنه كلما كان التركيب من أمور أكثر كان التشبيه أبعد، حيث لم يقل كلما كان التعدد أكثر كان التشبيه أبعد. وفيه بحث؛ لأن الظاهر أن تعدد وجه الشبه أيضا من أسباب البعد والغرابة، ويرد أن الجرة الصغيرة أيضا كثير الحضور مطلقا في الذهن، فلا وجه لجعله مما غلب حضوره عند حضور المشبه به، لا مطلقا.
والجواب أن كلا من الجرة والشمس مما يغلب حضور الكوز والمرآة عند حضوره، فيصبح التمثيل لغلبة حضور المشبه به عند حضور المشبه بأيهما