للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الرياض، التي لا يفتح بابها إلا للعارف المرتاض أهداه لك خاليا عن شوب طمع الأعواض والأغراض.

(ومنه) أي: قريب من هذا المثال فنبه بكلمة منه على التفاوت بينهما بأن المشبه به وضع في الأول موضع أداة التشبيه، وهنا لم يوضع موضعه، بل بعد الحذف نقل عن مكانه وجعل مضافا إلى المشبه أو يقول في الأول بحيث يمكن تقدير أداة التشبيه. وفي الثاني بحيث لا يمكن؛ إذ لا يصح أن يقال: مثل لجين الماء، وجعل منه بمعنى من التشبيه المؤكد، أي: بعض منه، كما ذهب إليه الشارح لا يفيد التفاوت بين المثالين إفادة واضحة، فاحفظه واعتبر به أمثاله (نحو: (والرّيح تعبث بالغصون).

أي: تميلها ميلا رقيقا لا عنيفا، ففيه مدح للريح بالاعتدال، وهو الريح المطلوب، كما جاء في خبر الآثار: أنه صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى ريحا كان يقول: «اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» (١) والواو حالية.

وقوله: (وقد جرى) إما عطف حال على حال، وإما تعقيب حال بحال مترادفة أو متداخلة (ذهب الأصيل) أي: ذهب لوقت الأصيل، أي: الوقت بعد العصر، وهو شعاع الشمس فيه؛ لأنه مصفر ويوصف بالاصفرار، فالذهب مستعار لشعاع الشمس بقرينة الإضافة إلا الأصيل، فجعله من قبيل لجين الماء كما نقله الشارح لاختفاء لجين الماء بذهب الأصيل الجاري عليه لكونه مموها بها، فكن متيقظا فإن خطابنا مع اليقظان لا مع النعسان. (وعلى لجين الماء) (٢) أصله:

ماء كاللجين، وهو المقصود بالتمثيل، واللجين هو الفضة الخالصة، يشبه بها الماء في البياض والصفاء.

(أو مرسل) قسم للمؤكد (وهو بخلافه) وهو ما قصد أداته لفظا أو تقديرا لعدم تقيده بالتأكيد المستفاد من أجزاء المشبه به على المشبه.

فإن قلت: إن زيدا كالأسد مشتمل على تأكيد التشبيه، فكيف يجعل


(١) الحديث ذكره النووي في الأذكار (ص ٢٣٨) وعزاه إلى الشافعي في كتابه «الأم» من حديث ابن عباس.
(٢) البيت لابن خفاجه الأندلسي، إبراهيم بن عبد الله الشاعر الوصّاف المتوفي سنة ٥٢٣، وهو في الإيضاح: ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>