الظاهر من اللباس عند أصحابنا الحمل على التخييل، وإن كان تحمل عندي أن يحمل على التحقيق، وهو أن يستعار لما يلبسه الإنسان عند جوعه من انتفاع اللون وتغيره ورثاثة هيئته.
هذا والمراد بقوله يحتمل: الاحتمال الذي يساوي التخييل، وينافي كون الظاهر، وإلا فالاحتمال لا ينافي الظاهر.
وهاهنا بحثان:
أحدهما: ما ذكره الشارح المحقق في هذا المقام، وهو أن الحمل على التحقيق مما ذكره الزمخشري؛ حيث قال: شبّه ما غشى الإنسان والتبس به من الحوادث باللباس؛ لاشتمال له على اللابس، إلا أنه يحتمل أن يريد بالحوادث الضرر الحاصل من الجوع، فيكون الاستعارة عقلية، وأن يريد انتفاع اللون ورثاثة الهيئة فيكون حسية كما ذكره السكاكي (١)، فلا يكون من عند السكاكي، وهذا البحث مما ذكره الإيضاح، إلا أنه قال: ظاهر كلام الزمخشري أنها عقلية، وظاهر كلام السكاكي أنها حسية، فالشارح خالف معه بأن كلام الزمخشري محتمل، وكلام السكاكي نص، وإن كان الحق معه في الأول، لكن ليس في الثاني؛ لجواز أن يكون ذكر انتقاع اللون ورثاثة الهيئة في كلام السكاكي على سبيل التمثيل، والأظهر أن مراد الزمخشري بالحوادث ما يعم الكل، ولا يخص بشيء من الحسي والعقلي. ويمكن دفع ما أورده الشارح بأن السكاكي أراد جمهور الأصحاب، ولم يرد بقوله عندي تخصيص الاحتمال بنفسه، بل إنه على خلاف جمهور الأصحاب موافق للزمخشري على أنه يمكن أن لا يريد بأصحابنا علماء المعاني، بل أهل عصره.
وثانيهما: ما ذكره السيد السند أن احتمال التخييل ركيك جدا لا يناسب بلاغة القرآن؛ فإن الجوع إذا شبه بشخص ضار، مجد فيما هو بصدده، فلا بد وأن يثبت له من لوازمه ما له مدخل في الإضرار دون اللباس الذي لا مدخل له فيه، هذا ويمكن دفعه بأن لباس الشخص ما يبرز فيه، فلما شبه الجوع بشخص أثبت له لباس يبرز فيه لا مطلق ما يكسوه، فإذاقة لباس الجوع عبارة عن إبرازها