للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لصيرورة الاستعارة حقيقة في موردها.

ومما ينبغي أن لا يلتبس عليك الفرق بين المثل والإشارة إلى المثل كما في ضيعت اللبن على لفظ المتكلم فإنه مأخوذ من المثل، وإشارة إليه فلا ينتقض به الحكم بعدم تغيير الأمثال.

وللأمثال تأثير عجيب في الآذان وتقرير غريب لمعانيها في الأذهان، فهي بين الألفاظ كالموجوه، والمشاهر من الناس حتى يغير بلفظ المثل، ويستعار هذا اللفظ منه للحال، والصفة والقصة إذا كان لها شأن عجيب، وكثر ذلك في التنزيل كما في قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً (١) الآية، أي: حالهم أو صفتهم أو قصتهم العجيبة الشأن الغريبة في نظر الأذهان.

وكقوله: الْمَثَلُ الْأَعْلى (٢) أي الصفة العجيبة.

وكقوله: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ (٣) أي: فيما قصصنا عليكم قصتها العجيبة لما فرع من بحث الاستعارة، وكأنه مظنة أن يؤخر عليه بأنه فاته الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية، ولم يستوف أقسام الاستعارة، وبأنه خالف السكاكي في مواضع عقبها بفصلين.

أحدهما: في تحقيق الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية على وجه يتبين أنهما ليستا من أقسام المجاز اللغوي، والاستعارة المذكورة، فلذا أهملنا؛ لا لفوتهما، والغفلة عنهما.

وثانيهما: في تزييف كلام السكاكي فيما خالفه فيه، وقدم فصل الاستعارة بالكناية والتخييلية؛ لأن الحقيقة لهما يخالف بيان السكاكي، وفي فصل تزييف رأيه فيهما أيضا، فهذا الفصل كالتتميم له أيضا.

***


(١) البقرة: ١٧.
(٢) النحل: ٦٠.
(٣) محمد: ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>