للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو أن الاستعارة مستعملة في غير ما وضعت له بخلاف القول الآخر، وهو أن الاستعارة مستعملة فيما ضعت له، والتصرف في أمر عقلي، فإنه حينئذ حقيقة لغوية ولا يسوغ إخراجها عن تعريف الحقيقة اللغوية ولا إخراجها بقوله من غير تأويل في الوضع؛ لأنه لا تأويل في الوضع على غير القول الأصح.

وقوله (فإنها) بيان لوقوع الاحتراز عنها بهذا القيد بأنها (مستعملة فيما وضعت له بتأويل) أي: وضعا ملتبسا بتأويل، وصرف للوضع عن الظاهر، فإن الظاهر منه ليس الوضع على سبيل الادعاء، بل على سبيل التحقيق.

ولا يخفى أنه كما قيد الدعوى بقوله: على أصح القولين، يجب أن يقيد الدليل، إلا أن تقييد أحدهما يسوق الذهن إلى تقييد الآخر، فيكفي به. وقد عدل عن عبارة السكاكي؛ لاختلال فيه على ما هو المشهور؛ حيث قال: وإنما ذكرت هذا القيد ليحترز به عن الاستعارة، ففي الاستعارة بعد الكلمة مستعملة فيما وضعت له على أصح القولين، ولا نسميها حقيقة، بل مجازا لغويا لبناء دعوى اللفظ المستعار موضوعا للمستعار له، على ضرب من التأويل.

هذا والمراد بقوله: دعوى اللفظ دعوى كون اللفظ على حذف كون مضاف إلى اللفظ، فاشتهر أنه لا يصح جعل قوله على أصح القولين متعلقا بقوله:

مستعملة فيما وضعت له؛ إذ لا اختلاف في استعمالها فيما وضعت له في الجملة، وإنما الاختلاف في استعمالها فيما وضعت له بالتحقيق، لكن أصح القولين انتفاؤه، وحمل الوضع على الوضع بالتأويل بعيد؛ فتعين تعلقه بقوله: ليحترز به، فاختل النظم، وصار معقدا للفصل بين قوله: على أصح القولين ومتعلقه بقوله، ففي الاستعارة بعد الكلمة مستعملة فيما وضعت له، وبين قوله: ولا نسميها حقيقة، وقوله بعد الكلمة إلخ بقوله على أصح القولين.

هذا ونحن نقول: عدل عن المطلب الأخفى إلى الأوجز الأوضح، لكن كلام السكاكي برئ عما ظن به من الخلل، فإن قوله: على أصح القولين متعلق بقوله مستعملة فيما وضعت له، والمراد: ما وضعت له بتأويل لوضوح القرينة المؤدية إليه، بل لفظ العد ينبئ عن كونها مستعملة فيما وضعت له، لا على سبيل التحقيق واكتفى بتقييد الدليل بقوله: على أصح القولين، عن تقييد الدعوى على

<<  <  ج: ص:  >  >>