للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن التشبيه هاهنا إنما يحسن بين هبوب الرياح عليها، وبين القرى ولا يحسن التشبيه ابتداء بين الرياح والضيف، ولا بين الأيقاظ والطعام، نعم يلاحظ التشبيه بين هذه الأمور تبعا لذلك التشبيه، ولا يصح أن يعكس فيجعل التشبيه بين الهبوب والقرى تبعا لشيء من هذه التشبيهات، فلا يصح هاهنا رد التبعية إلى المكنية عند من له ذوق سليم.

وقد يكون التشبيه في المتعلق غرضا أصليا، وأمرا جليا، وقد يكون ذكر الفعل، واعتبار التشبيه فيه تبعا (فح) (١) يحمل على الاستعارة بالكناية كقوله تعالى: يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ فإن تشبيه العهد بالحبل مستفيض مشهور، وقد يكون التشبيه في مصدر الفعل أو في متعلقه على السوية، فحينئذ جاز أن يجعل استعارة تبعية وأن يجعل مكنية كما في: نطقت الحال، فإن كلا من تشبيه الدلالة بالنطق وتشبيه الحال بالمتكلم ابتداء مستحسن، فظهر أن ما ذكره السكاكي من الرد مطلقا مردود.

ويمكن توجيه كلام المصنف بأنه أراد أنه إن قدر التبعية حقيقة لم تكن الاستعارة التخييلية قرينة للمكنية أصلا، وذلك باطل عنده باتفاق الناس؛ وذلك لأنه إذا جعل قرينة المكنية في صورة رد التبعية حقيقة يلزمه أن يجعل القرينة في غيرها أيضا كذلك، لأن الفرق تحكم، فالمراد بقوله: أن لا تكون مستلزمة نفي مطلق الاستلزام الأعم من الاستلزام الجزئي والكلي، حتى لو قال:

ولا تكون التخييلية قرينة المكنية أصلا لم يتجه عليه شيء.

ومن وجوه رد الرد ما ذكره الشارح المحقق في شرح المفتاح في بحث الترشيح حيث قال: وليت شعري ماذا يفعل المصنف بالاستعارة التبعية في كل استعارة تبعية تكون قرينتها عقلية، وكيف تجعلها قرينة على استعارة مكنية، وهذا في غاية القوة، وغاية ما يمكن أن يقال: إنه لما كان مدار القرينة في التبعية على الفاعل والمفعول والمجرور، على ما صرح به السكاكي بين الرد بجعل قرينة التبعية مكنية، وأما في نحو: قتلت زيدا إذا ضربته ضربا شديدا، فجعل زيدا مكنيا عنها


- والعلوي في الطراز (١/ ٢٣٨). والأجفان: أكمام الزهر.
(١) كذا بالأصل، وهو اختصار من المصنف، لعله اختصار (فحاصله) أو (فحينئذ)، كما قال بعد ذلك:
(وقد يكون التشبيه في مصدر الفعل أو في متعلقه على السوية (فحينئذ) جاز أن يجعل استعارة ... إلخ).

<<  <  ج: ص:  >  >>