للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذكر الغزالى فى الاقتصاد أن الخلاف فى هذه المسألة لفظى (١) يرجع إلى اللغة من حيث جواز الإطلاق، وليس كما قال، بل هى متفرعة على هذا الأصل العظيم، ومن هذه المسألة قالت المعتزلة بخلق القرآن، كما قاله المازرى، لأنهم لما أحالوا وجود أمر ولا مأمور، ولم يكن مع اللَّه سبحانه فى الأزل أحد فيأمره وينهاه فيستحيل حصول الأمر لانتفاء المأمور فيستحيل حصول الكلام، وهذه عمدة عظيمة عندهم اقتضت القول بخلق القرآن، ودهش لها بعض أئمتنا المتقدمين كالقلانسى وغيره حتى ركب مركبًا صعبًا، فأنكر كون كلام اللَّه فى الأزل أمرًا أو نهيًا أو وعدًا أو وعيدًا فتخلص بهذا من إلزام المعتزلة، لأنه إذا بقى الأمر فى الأزل لم تجد المعتزلة سبيلًا من الطعن على مذهبه فى قدم القرآن بهذه الشهة، إذ لا تردد فى أن الحوادث مستأنفة الوجود، ولكنه وقع فى ما هو أبعد (٢) منه، لأنه أثبت كلامًا قديمًا فى الأزل ليس بأمر ولا نهى ولا خبر، ولا يوصف بشىء من متعلقات الكلام، وهذا بعيد من العقول، فكأنه لم يثبت كلامًا، ولكنه أثبت صفة أخرى سماها كلامًا عاريًا من حقائقها النفسية ولوازمها (٣) العقلية.

ولما ذكر الشيخ أبو الحسن أن مذهب المعتزلة ينفى قدم الكلام، ومذهب القلانسى يؤدى إلى إثبات كلام قديم عار عن حقائق الكلام لم يستبعد إثبات أمر فى الأزل ولا مأمور (وقدر ذلك تقدير أمر بالغائب عيًا) (٤)، فإنا نجد من أنفسنا أمرًا أو إيماء يتوجه عند حضوره، وهذا أولى من ارتكاب واحد من ذينك


(١) ونقل المؤلف -رحمه اللَّه- هذا القول عن الطرطوشى فى البحر ١/ ٢١٢.
(٢) نقل هذا الكلام بنصه عن المازرى فى البحر المحيط ١/ ٢١٥ ثم قال: "فالحاصل صعوبة هذه المسألة، فإنه إما أن ينشأ عنها نفى قدم الكلام كالمعتزلة، وإما إثبات قدم الكلام وفيه إثبات قدم الخلائق المأمورين أو إثبات أمر ولا مأمور، وإما إثبات كلام قديم عار عن حقائق الكلام. . ".
(٣) فى الأصل (ولزوامها).
(٤) ما بين القوسين لا يوجد فى البحر المحيط وهو قلق.

<<  <   >  >>