للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعند المعتزلة: إنه قادر عليه بناء على تقدم القدرة على المقدور، وكونها قدرة على الضدين.

واعلم أن ابن برهان ذكر فى الأوسط بناء هذه المسألة على أن الاستطاعة مع الفعل أو قبله، ثم قال: إلا أن علماءنا قالوا: بناء هذه المسألة على هذا الأصل فاسد، فإنه يفضى إلى أمر شنيع لا يرتضيه محصل لنفسه وهو أنه يؤدى إلى أن لا نكون مأمورين بالصوم والصلاة والحج قبل فعلها، ومن قال ذلك فقد انسل عن الدين.

فالأولى أن تبنى هذه المسألة على أصل آخر وهو أن الفعل حالة الحدوث طاعة لإجماع الأمة على أن من شرع فى الصوم والصلاة يسمى طائعًا ويسمى فعله طاعة، وحينئذ فيجب أن يكون مأمورًا به فى هذه الحالة، لأن الطاعة موافقة الأمر كما أن المعصية موافقة النهى (١).


(١) خلاصة المسألة أن فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: أن التكليف إنما يتوجه عند المباشرة فقط، والموجود قبل ذلك إنما هو إعلام للعبد بأنه فى الزمن الثانى يكون مكلفًا بالفعل وهو اختيار الرازى والبيضاوى وقول للأشاعرة، ونسبه الآمدى إلى قليل منهم.
الثانى: أنه إنما يتوجه قبل المباشرة فقط، وبه قال جمهور المعتزلة، وإمام الحرمين، والغزالى.
الثالث: أنه يتوجه قبل المباشرة، ويستمر إلى وقتها، واليه ذهب بعض المعتزلة، ونسبه الآمدى إلى الأصحاب.
وبعد هذا فالظاهر لى بعد بحثى فى المسألة أن الخلاف فيها لفظى لا يبنى عليه حكم قطعًا إذ لا خلاف بين المسلمين فى أن المكلف مأمور بالإتيان يالفعل المأمور به قبل الشروع به قبل الشروع فيه، ولا يخرج عن عهدة الأمر إلا بالامتثال، ولا يحصل الامتثال إلا بالإتيان بالمأمور به كاملًا، ويلزم منه أن كون التكليف متوجهًا إلى الفعل قبل المباشرة ولا ينقطع إلا بالفراغ منه، ومن هنا نعلم أن قول الرازى ومن وافقه إنما هو التكليف بنفس الفعل.
وقول المعتزلة ومن وافقهم إنما هو التكليف فى الحال أى من قبل المباشرة بالإيقاع فى ثانى الحال أى حال المباشرة فلم يتوارد الخلاف نفيًا وإثباتًا على موضوع =

<<  <   >  >>