للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن برهان: والخلاف يلتفت على أن كلام اللَّه تعالى المنزل على رسوله -صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم- أى: اللفظى عندنا ليس بمتحد، وعندهم متحد، وأن القرآن كالكلمة الواحدة. فالمذكور بقيد فى موضع مقيد بذلك القيد فيما لا ذكر لذلك القيد فيه، وهذه الطريقة يستعملها صاحب الكشاف (١) كثيرًا.

وقال الحنفية: لا يحمل المطلق على المقيد بدليل أيضًا (٢).


(١) انظر الكشاف ١/ ٥٢٤، ٤/ ٣٨٩.
(٢) وحكاه القاضى عبد الوهاب عن أكثر المالكية. انظر البحر ٣/ ٢٦٧.
قلت: لم يتعرض المؤلف -رحمه اللَّه- هنا إلى اتحاد الحكم والسبب فى المطلق والمقيد، ولهما أربع حالات:
الأولى: أن يتحدا فى الحكم والسبب، فيحمل المطلق على المقيد بلا خلاف، مثاله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} محمول على قوله {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا}.
الثانية: أن يختلف الحكم والسبب فلا يحمل عليه بلا خلاف، ويعمل بكل واحد مهما فى ما تناوله، مثاله: قوله تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وقوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلى الْمَرَافِقِ}.
الثالثة: اختلاف الحكم واتحاد السبب فلا يحمل عليه دون خلاف يذكر، ويعمل بالمطلق على إطلاقه إلا إذا قيده دليل آخر وبالمقيد على تقييده ألا إذا أطلقه دليل آخر، مثاله قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} وقوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلى الْمَرَافِقِ}.
الرابعة: اتحاد الحكم واختلاف السبب، مثاله: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وقوله: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}. ففى هذه الحالة اختلف العلماء على ثلاثة أقوال:
١ - حمل المطلق على المقيد مطلقًا.
٢ - عدم الحمل مطلقًا.
٣ - حمل المطلق على المقيد إذا اشتركا فى العلة، وعدم الحمل عند عدم اشتراكهما فيهما، وهذا فيما إذا كان المقيد واحدًا، أما إذا ورد مطلق ومقيدان بقيدين مختلفين فلا يمكن حمله عليهما لتنافى قيديهما، فإن كان أحدهما أقرب إليه من الآخر حمل عليه، وإن لم يكن أحدهما أقرب من الآخر بقى على إطلاقه ولم يقيد بواحد منهما =

<<  <   >  >>