للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان الكناش سيحتويها (١)، وبدهيّ أنه لو لم يكن عالما بهذه الفنون لما عزم على التأليف فيها، يضاف إلى ذلك أن مؤلفاته التي خلّفها لنا تدل على ما كان يتمتع به من ذهن وقّاد، وذكاء حاد، استطاع أن يجمع بين هذه العلوم المتفرقة ويؤلف فيها مؤلفات علمية معتبرة، كالمختصر وتقويم البلدان (٢). وقد ذكر الكتبي بعد ذكره أن أبا الفداء قد نظم الحاوي في الفقه ما نصه «ولو لم يعرفه لما نظمه» (٣) وذلك كله يفيد أن سيرورته العلمية قامت على أسس متينة، فاستطاع بها أن يلج أبواب التأليف بكل أنواعه وأشكاله وفنونه.

٧ - أن كتب التراجم قد ذكرت أن أبا الفداء منذ أن تولى سلطنة حماة اهتم بالعلماء، فقرّبهم إليه وأجرى لهم الرواتب، ومن هؤلاء أمين الدين عبد الرحمن الأبهري المتوفى ٧٣٣ هـ (٤) وعمر بن محمد المعروف بابن العديم المتوفى ٧٣٤ هـ (٥) وكان أبو الفداء يأمر من يعجب به من العلماء بالإقامة عنده فقد ذكر الإسنوي أن أخاه «عماد الدين رحمه الله لمّا رحل إلى الشام قصد حلب فاجتاز على حماة وكان قد رتب - أبو الفداء - من يحضر بمجلسه العلماء المارّين عليه والقاصدين إليه فحضر الأخ عنده وتكلم معه في علوم فأعجب به وأمره بالإقامة هناك وهيّأ له من الفرش والآلات ما يحتاج إليه ورتّب له رواتب كبيرة وولّاه مدارس ولازمه في الخلوة» (٦) ولم يقتصر أبو الفداء على تقريبه العلماء بل آوى إليه الشعراء كابن نباتة وصفي الدين الحلي وأجزل لهم العطاء فقد رتّب لشاعره «جمال الدين محمد بن نباتة كل سنة عليه ستمائة درهم وهو مقيم بدمشق غير ما يتحفه به» (٧).

وكان الشعراء يثنون عليه كثيرا، ويمدحونه بغرر القصائد، حتى قال ابن حجر:


(١) تنظر الصفحة الأولى من النص المحقق.
(٢) ينظر فصل مؤلفاته الآتي.
(٣) فوات الوفيات، ١/ ٢٨ - ٢٩.
(٤) الوافي بالوفيات، للصفدي، ٩/ ١٧٤. والدرر الكامنة، ١/ ٣٧٢ - ٣٧٣.
(٥) إعلام النبلاء، للطباخ، ٤/ ٥٦٣.
(٦) طبقات الشافعية، للإسنوي، ١/ ٤٥٦.
(٧) الوافي بالوفيات، ٩/ ١٧٤ والمنهل الصافي، لابن تغري بردي، ١/ ٢١١ ظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>