للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولشناعة هذا القول وما يترتب عليه كانت شهادة الفرد غير كافية, في إثبات وقوع الزنا حتى يأتي بأربعة شهداء عدول, فمن لم يفعل ذلك فقد وقع في الإثم وعرض نفسه للعقوبة

لما لهذا القول المنكر من الشناعة والخطورة فقد رتب الله عز وجل في هاتين الآيتين على من تفوه بهذا القول أربع عقوبات:

الأولى: عقوبة جسدية, وقد جعلت قريبة من عقوبة الزنا, بأن يجلد ثمانين جلدة.

الثانية: عقوبة أدبية, فيكون متهما لا يوثق بكلامه, وترد شهادته.

الثالثة: عقوبة دينية, فيصبح بذلك فاسقا بعيدا عن الإيمان.

الرابعة: عقوبة أخروية, وهي العذاب العظيم والطرد من رحمة الله في الآخرة كذلك.

وإن كانت الآيتين نصت على قذف الرجال للنساء فإن الحكم عامٌّ في قذف الرجال للرجال أو النساء للنساء أو النساء للرجال بإجماع العلماء (١).

فعلى العبد المسلم الذي يرجو صلاح نفسه ونجاتها أن يبتعد عن قول الزور كبيره وصغيره, فإن من سب إنسانا وقذفه كذبا وزورا بالفسق أو بارتكاب كبيرة من الكبائر أو بما فيه معرة فإنه يلزمه التعزير (٢).

ومن رحمة الله بعباده أن من تاب من هذه الفرية العظيمة فإن الله يتوب عليه, بعد أن يطهَّر بالجلد, فيرتفع عنه الفسق, ويصبح بين المسلمين ثقة عدلا تقبل شهادته (٣).

كما لا يناله شيء من الوعيد الأخروي إذا صدقت توبته, لأن عمومات نصوص الكتاب والسنة دالة على أن من تاب تاب الله عليه وإن اقترف كبيرة من الكبائر

لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)}


(١) {أضواء البيان, (٤/ ٤٤ - ٤٦).
(٢) {انظر: التحرير والتنوير (١٨/ ١٦١) , أضواء البيان (٤/ ٤٨).
(٣) {وهذا القول هو قول الجمهور من أئمة المذاهب, خلافا لأبي حنيفة, لأن الاستثناء -عنده- بعد المتعاطفات يرجع إلى الأخير منها. (انظر: تفسير القرآن العظيم ٦/ ١٤, أضواء البيان ٤/ ٤٧).

<<  <   >  >>