للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما بيان ما نزل بأهل القرية في قوله: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} فقد حصل ذلك لأهل مكة حين تولوا واستكبروا, فدعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف) (١) فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء، حتى أكلوا الجيف ووبر البعير , وأصابهم الخوف الشديد بعد الأمن من جيوش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغزواته وبعوثه وسراياه. (٢)

ولما وعظ تعالى بضرب ذلك المثل, وصل هذا الأمر للمؤمنين بالفاء، فأمر المؤمنين بأكل ما رزقهم وشكر نعمته ليباينوا تلك القرية التي كفرت بنعم الله فقال: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤)} [النحل: ١١٤] ولما أخبر عن القرية أنها كفرت بأنعم الله, جاء الخطاب للمؤمنين بقوله: واشكروا نعمة الله (٣).

وكما ضرب الله هذا المثل فقد قص علينا ما حصل من قوم سبأ من الإعراض وما كانوا فيه قبل ذلك من النعم العظيمة, فقال: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥)} ... [سبأ: ١٥].

فأخبر الباري جل شأنه أنه أنعم على قوم سبأ بنعم عظيمة كان من أولها نعمة الرزق فقد أنعم الله عليهم في بلدتهم ببستانين جهة اليمين وجهة الشمال, وكان ثمرهما سهل التناول, بل إنه لا يحتاج إلى هذا الجهد, فقد روي أن المرأة كانت تُخرِج مكتلها على رأسها فتمشي بين الجبلين، فيمتلئ مكتلها، وما مست بيدها (٤).


(١) أخرجه البخاري, كتاب الجهاد والسير, باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة برقم (٢٧٧٤) , ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة, باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة برقم (٦٧٥).
(٢) انظر: أضواء البيان (٢/ ١٩٩).
(٣) البحر المحيط (٧/ ٣٠٠) , وانظر: التحرير والتنوير (٨/ ١٤٩).
(٤) كما ورد عن قتادة رحمه الله. انظر: (جامع البيان ٢٠/ ٣٧٦).

<<  <   >  >>